ترسل لنا الأرض رسائل قوية لغتها الحرائق، والفيضانات، والجفاف، وانقراض الكائنات الحية والأمراض، لتخبرنا بحاجتنا الملحة إلى اتباع نمط وأسلوب جديدين لنتشارك في العيش على كوكبنا. وفي العراق، تعهد مختبر التسريع الانمائي التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بارساء المنهجيات المبتكرة لدراسة التحديات البيئية في عالمنا اليوم. سوف نستعرض لكم هنا منهجياتنا وافتراضاتنا وفرضياتنا ورؤانا وتجاربنا المكتسبة التي أرشدتنا الى تحليل الأسباب الكامنة وراء افتقار المجتمع للشعور بالمسؤولية تجاه قضايا التغّير المناخي في العراق.
بدأت عملية تصميم الأنظمة بناء على الوضع القائم (البحث والتشاور) لتحديد المشكلة وإدراك الأبعاد المختلفة من منظور الأشخاص الأقرب لمختبر التسريع في العراق، بدءاً من فريق برنامج "البيئة والطاقة وتغير المناخ" في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حيث أجرينا دراسة من اجل تحديد أساسيات الوضع الراهن. ومن ثم وسعنا نطاق عملنا للبحث عن البيانات الأكثر تفصيلاً عبر الإنترنت وغيرها من المصادر . وقد كشفت النتيجة الأولى للبحث عن أمرين هما:
● وجود نقص في الأبحاث حول قضايا تغير المناخ في العراق عموماً، والتي تسلط الضوء على الدور المجتمعي والحلول المحلية بشكل خاص.
● وجود منظومة للشركاء الأساسيين والجهات المعنية والعاملة في مجال البيئة في العراق، لكن، وعلى الرغم من الجهود الحكومية المبذولة، لا تزال المنظومة تتطلب مزيداً من العمل لتوحيدها ضمن رؤية واحدة.
ان النتائج المذكورة اعلاه زادت من فضول الفريق لتقودنا إلى البدء بتحديد الجهات ذات العلاقة، والربط بين العقد، وتحديد نطاق (مجال) المشكلة. بدأنا المرحلة الثانية من البحث بتحديد تلك الجهات من خلال تخطيط القطاعات وتحديد الجهات الفاعلة من كل قطاع على الأقل. لم تكن هذه الخطوة دقيقة جداً لكنا أردنا فقط تحديد نقاط الانطلاق. بعد ذلك، بدأت تلك الجهات المختلفة بربطنا بالآخرين، وسرعان ما تمكنا من جمع 12جهة ذات صلة رسمية ومعنوية للمشاركة في جلسة ليوم واحد لمناقشة تحديات التغيرات المناخية في العراق، تبعتها جلسة أخرى لتحليل تلك التحديات. تم في اليوم الثاني إطلاق لعبة "Mission 1.5" ومناقشة أهمية استخدامها. عملت كل من الجهات المعنية والمتمثلة بفريق البيئة والطاقة وتغير المناخ، و ممثلين عن مؤسسات حكومية (وزارة الصحة والبيئة ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي)، والقطاع الخاص، والقطاع الأكاديمي، والمنظمات المحلية غير الحكومية، جنباً إلى جنب لمسح وتحديد النظام البيئي الراهن في العراق من خلال تحليل مراحل اللعبة.
ونتيجة لما قام به الفريق في الموجتين الأولى والثانية، كشفت اداة مسح وتحديد الانظمة، الفجوة في العلاقات بين جهود الجهات الرسمية المعنية والمجتمع المحلي في مجال التغير المناخي. وقد تبين بشكل رئيس أن السكان المحليين لا يدركون عمل الجهات الرسمية والجهود الحكومية المبذولة ولا يعرفونها، وبالتالي لا تعطى حقها من التقدير والاهتمام والتشارك بتحمل المسؤولية لغرض تحقيق التغيير المطلوب والأهداف المرجوة والحفاظ على استدامة المشاريع المنفذة منها .
توجه فريق مختبر التسريع الانمائي في العراق إلى المجتمع لاستشعار واستطلاع آراء السكان و دراسة وتحليل سلوكياتهم في كيفية مواجهة مشاكل التغير المناخي، وأيضاً لاكتشاف طرق تساعد على تحديد الجهات المعنية الفاعلة وتحفيز هم للعمل من أجل توعية هؤلاء السكان بمسؤوليتهم تجاه التغير المناخي.
يعد التواصل الافتراضي طريقنا الوحيد للتواصل مع الناس في الظروف الحالية لوباء فيروس كورونا واستطلاع آرائهم لمحاولة سد الفجوة. لذا، نفذ مختبر التسريع استطلاعاً عبر الإنترنت لمعرفة اهتمام السكان المحليين واستعدادهم للمشاركة في ورش تدريبية حول المشاكل الناتجة عن ظاهرة التغير المناخي في العراق. و تم تخصيص الورشة التدريبية للشباب ممن لديهم حد أدنى من المعلومات ورغبة شديدة في التعلم والمساعدة في مواجهة تحديات التغير المناخي. شارك في هذا الإستطلاع 236 مشاركاً، ابدى 68% منهم رغبتهم بالمشاركة في ورشة تدريبة حول التغير المناخي في العراق. واستجابة لمطالب الشباب العراقي، نظم فريق مختبر التسريع ورشة عمل عبر الانترنت مدتها ساعتان، ضمت عينة مختارة من المشاركين لتحديد معلوماتهم العامة حول التغير المناخي، مع مناقشة أسباب عدم منح الموضوع الأولوية من المواطنين عموماً ورواد الاعمال والشباب الفاعلين في المجتمع العراقي، وماهي أفضل الطرق و مناطق التأثير لمعالجة هذه المشكلة المخيفة بطرق ملائمة. وقد فوجئنا لكون الأسئلة التي طرحناها كانت خارج اهتمامات الشباب، وبالتالي من الضروري اتباع نهج يحفزهم على تعلم الجوانب الضرورية لتغير المناخ، وتعليمهم المبادئ الأساسية ذات الصلة.
ومن أجل تحفيز الساكنين في المدن العراقية، كان لابد من التطرق الى العمل والجهود المبذولة التي يقوم بها المسؤولين حالياً، وتحديد الجهات الفاعلة لمعرفة الأشخاص القادرين على التأثير إيجاباً على اهتمامات الناس، واستخدام نهج مبتكر للتعلم. وهنا خطر في بالنا التساؤل التالي: "ما هي الأساليب والأدوات المبتكرة التي يمكن استخدامها لتحفيز الشباب والفاعلين في المنظمات المحلية لزيادة معرفة الناس وازدياد شعورهم بالمسؤولية حيال مشاكل التغير المناخي في العراق؟"
قام الفريق بتجربة نهجين مبتكرين يمكنهما تعزيز اهتمام الناس بالتغيّر المناخي وتسريع مسار تعلمهم. النهج الأول هو استخدام أسلوب الألعاب التحفيزية للتعرف على أولويات المجتمع من خلال لعبة Mission 1.5، وهي مبادرة عالمية من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تركز على توعية السكان حول الأساليب والسلوكيات التي تسبب في تفاقم مشكلة التغّير المناخي وتشجيعهم للمساهمة في صناعة القرار حول القضايا البيئية في البلاد. يهدف هذا النهج إلى توسيع مشاركة وإلهام الشباب لمراجعة سلوكياتهم وقراراتهم اليومية وتفهم تأثيرهم على التغيّر المناخي في العراق.
أما النهج الثاني فكان باستخدام منهجية التصميم المتمركز حول الإنسان لتحليل سؤال رحلة التعلم وإيجاد الحلول الممكنة لهذه المشكلة. فقد عمل فريق مختبر التسريع مع برنامج القيادات الشابة السادس التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، من اجل اطلاق "دعوة للابتكار: تحدي إيجاد أفكار عن تغير المناخ" من خلال ورشة تدريبية دامت لمدة 20 ساعة باستخدام منهجية التفكير التصميمي لتنفيذ النشاطات، والتي تعمل وفق الفرضية التالية:
إذ استخدم نهج التفكير التصميمي في تحليل مشاكل المسببة للتغير المناخي مع المجتمع المحلي في العراق، سيزداد السكان المهتمين للتركيز على التغيير المناخي ومع زيادة شعورهم بأهمية تحمل المسؤولية بالمسؤولية تجاه المشاكل البيئية في البلاد ويحفزهم في امكانية ايجاد حلول محلية مبتكرة قابلة للتطبيق تلعب دوراً في مواجهة تحدي التغير المناخي.
تضمنت الدعوة الافتراضية المذكورة أعلاها مرحلتين هما: مرحلة المشاكل ومرحلة الحلول. ركزت الجلستان الأولى والثانية على مرحلة المشاكل التي قسمت إلى خطوتين: التعاطف وتحديد واستكشاف المشاكل. في هاتين الخطوتين، درس شباب من 17 منظمة محلية المشاكل الرئيسية للتغيير المناخي في العراق، وحددوا الجهات الفاعلة والجهات المعنية المؤثرة والفاعلة، وبينوا النتائج والرؤى ذات العلاقة. وفي المرحلتين التاليتين بدأ الشباب بالتفكير خارج الصندوق باستخدام مفهوم ريادة الأعمال، و تبادل الآراء، وتكوين نماذج لحلول جديدة قابلة للتطبيق.
اما مرحلة الاختبار فكانت على شكل تقييم أثناء الورشة التدريبية، وجمع آراء الجمهور عبر قنوات التواصل الاجتماعي. في الخطوة الثانية، قدم المشاركون آراءهم وتلقوا التعليقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما عزز معرفتهم بوجهات نظر المستمعين من باقي الفرق مما وسع من وجهات نظرهم المطروحة حول الأفكار المقترحة، فقد أتاح لهم ذلك من تعديل أفكارهم. أما مرحلة الاختبار الثانية فكانت من خلال نشر جميع الأفكار عبر منصات التواصل الاجتماعي بهدف عرض المشكلة والحل من خلال منشور يقيس ردود الأفعال، بالإضافة الى ذلك فهذا الأسلوب يهدف إلى تشجيع لزيادة المحتوى العربي حول التغيير المناخي. وقد حفزنا الشباب، من خلال استخدام منهجية التفكير التصميمي، للقيام برحلة استشعار لاكتشاف المشاكل المسببة او الناتجة من التغيير المناخي في العراق وزيادة معلوماتهم ومعرفتهم بأهمية إيجاد حلول محلية ومبتكرة تساعد الحكومات وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والجهات المعنية الأخرى في تعزيز مواجهتهم للتحديات البيئية في العراق.
وقد كانت الرؤى او المعلومات الداخلية من مرحلة الاستشعار والاستكشاف والتجريب لا تقدر بثمن. وسيعمل مختبر التسريع في العراق بعد ذلك على توطين قضايا التغير المناخي من خلال زيادة المحتوى المكتوب والمرئي عن التغيير المناخي. كما سنواصل مسح وتحديد الأنظمة لمعرفة المزيد من الفجوات في مسؤولية المجتمع المحلي حيال قضايا التغير المناخي، و تأسيس الأرضية الأولى لبيئة عمل مرتبطة بهذه القضايا في العراق.