تشارك وسناء قصتها حول ما تطلب منها ان تفعله لإعادة بناء حياتها بعد الآثار المدمرة التي خلفها الصراع مع داعش. كانت الرحلة صعبة عليها، لكنها كانت أكثر إصرارا من أي وقت مضى.
كان لاحتلال تنظيم داعش لمدينة الموصل في عام 2014، آثار مدمرة على المدينة مما أثر بشكل كبير على حياة النساء والأطفال. حيث فقدت العديد من الاسر أحباءها، ودمرت منازلهم، وفقدوا سبل العيش.
بالنسبة إلى السيدة وسناء عايد أحمد البالغة من العمر 42 عاما، وهي ام لثلاثة بنات وابن واحد، فقد كانت رحلتها صعبة بعد تحرير المدينة في عام 2017 ، حيث فقدت ابنها وابنتها وزوجها. "لقد كان الأمر مدمرا عندما فقدت أطفالي في هجوم بقذائف الهاون أثناء القتال. بينما من ناحية أخرى ذهب زوجي إلى العمل ولم يعد أبداً. يشاع أنه قُتل أيضا في غارة، "تقول وسناء بقلب حزين يعتصره الالم. تعيش وسناء مع اسرتها حالياً في حي الهرمات غرب الموصل.
في الوقت الذي تتأقلم وسناء واسرتها مع هذه الخسارة الفادحة، كانت بحاجة إلى دخل ثابت بصفتها رب الأسرة، فهي المعيل الوحيد لأطفالها الآن. "تعرضت للعديد من النكسات في الحياة. رغم ذلك، لا شيء يمكن أن يحبطني. أشعر بالعزم والاصرار على حماية أطفالي وتوفير حياة أفضل لهم.
ومن اجل دعم أطفالها الذين ما زالوا في المدرسة، تعمل وسناء في محل صغير خارج منزلها لبيع حلوياتا. وتعطي الأولوية لإيلاء اهتمام خاص لابنتها التي فقدت بصرها خلال نفس الهجوم الذي قتل أطفالها، خاصة أنه جعلها غير قادرة على كتابة الواجبات والذهاب إلى المدرسة. تقول: "في الشهر الجيد، فأنني اربح ما يقرب من 250-300 دولارًا من محل بيع الحلويات. ساعد هذا في توفير الطعام والتعليم لاطفالها".
في الوقت الذي ساعد الدخل المتوفر من متجر الحلويات الخاص بها في إعالة الأسرة، إلا أنه لم يكن كافياً لتغطية فواتير التعليم والطب التي كانت تتراكم. في بعض الأحيان، كانت تعتمد على جيرانها وباقي اقاربها "اقترضت المال من اسرتي و أصدقائي في الحي. لقد تركت الصدمة المشتركة التي مررنا بها إحساسًا بالمسؤولية والصداقة بين بعضنا البعض. ومع ذلك، فأني ما زلت أدين لهم بالمال. تراكمت ديوني حتى بلغت حوالي 3000 دولار".
ومن اجل تسديد ديونها، بدأت وسناء في البحث عن مصادر دخل أخرى: "لم يكن المال الذي أحصل عليه من محل الحلويات كافياً. بدأت في البحث عن وظائف. عندها صادفت فرصة النقد مقابل العمل".
سمعت وسناء من خلال أصدقائها عن فرصة عمل لمدة 40 يوم، "أخبرني الناس أن هناك فرصة عمل تتمثل بإزالة الركام بالقرب من ملعب كرة القدم. قالوا لي إنني بحاجة إلى تقديم طلبي إذا كنت مهتمة. تقدمت بطلب على أمل أن يتم النظر في الوظيفة". مع التغيير في نبرة صوتها، تتذكر بسعادة كيف تلقت الأخبار يوم الخميس ولم يكن بوسعها الانتظار لبدء العمل يوم الأحد التالي.
كانت هذه فرصة للنقد مقابل العمل لإزالة الأنقاض ودعم إعادة تأهيل مدينة الموصل. يتم تنفيذ هذه المبادرات من برنامج إعادة الاستقرار للمناطق المحررة التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بدعم من ألمانيا. يركز المشروع على تقديم دخل طارئ مع استعادة البنى التحتية للمجتمع. وقد ساعد هذا النساء مثل وسناء على سداد الديون التي سببتها الحرب وتغطية النفقات اليومية لأسرهن.
على الرغم من ان فرصة العمل التي حظيت بها كانت قد وفرت لوسناء دخلاً فورياً فقط، إلا أنها تمكنت من تعظيمه. فقد سددت نصف ديونها واستثمرت في محل الحلويات. "لم يزح هذا المال الذي كسبته العبْ من على عاتقي فحسب بل ساعدني أيضا في شراء المزيد من المواد والمعدات لمتجري. ومنذ ذلك الحين، قمت بزيادة الإنتاج ومضاعفة الدخل الذي كنت أحصل عليه من متجر الحلويات".
لم يكن هذا النوع من العمل جديدا عليها. تتذكر كيف كانت تزرع وتحرث الحقل، وهو أفضل وقت في حياتها كما تتذكر. "أنا ممتنة لإتاحة الفرصة لي. تعلمت كيفية فصل الأنقاض عن المعادن. حتى أنني التقيت بنساء مررن بتجارب مماثلة مثل تجربتي، وأصبحنا مقربات. في اليوم الأخير ، كنا جميعا متحمسين جدا لنقول وداعا لبعضنا البعض". تبادلن الأرقام وهن يلتقين الآن لتناول فنجان من الشاي العراقي.
ان خلق بيئة عمل آمنة وصحية للنساء المشاركات في البرنامج أولوية قصوى لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. المرأة العراقية قوية. إنهن يعملن بمستوى عالٍ من الاهتمام والحب. هؤلاء مسؤولات عن أسرهن، ومثل هذه الفرص تساعد في دعم وتقوية شخصيتهن، "تقول ليندا ماجد يوسف، مسؤولة الاتصال في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق التي نسقت تنفيذ هذا المشروع. "في مواقع العمل، نبقى على مقربة من الجميع، وخاصة النساء، لتذكيرهم بأنه لا يتم التسامح مع التحرش وإساءة استخدام السلطة. وهذا يساعد على خلق بيئة آمنة تشعر فيها النساء بأن هناك من يسمعهن". قامت ليندا ببناء علاقة قوية مع النساء. ولا تزال على اتصال بهم لتتابع تقدمهم لفترة طويلة بعد انتهاء المشروع.
منذ عام 2015، ولمساعدة الناس على الوقوف على أقدامهم، قدم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الدعم لكسب الرزق لمايقارب 90 ألف عراقي في المناطق المحررة في الأنبار وديالى وكركوك ونينوى وصلاح الدين. هذا العام، يركز البرنامج بشكل أكبر على تعزيز سبل العيش المستدامة من خلال خلق فرص عمل متوسطة وطويلة الأجل.
على الرغم من أن هذه الوظيفة قد قدمت المساعدة لوسناء، إلا أنها ما تزال تبحث عن المزيد من فرص العمل طويلة الأجل. "عادة، لا يتم تشجيع النساء في العراق على العمل. جعلني هذا العمل أشعر بأنني مندمجة في المجتمع وأعطاني فكرة عما يعنيه كسب مصدر دخل ثابت. آمل أن تمتلك النساء الأخريات أيضًا الشجاعة لدعم أنفسهن. الأمر ليس سهلا، لكن علينا الاستمرار في المحاولة على أمل مستقبل أفضل ".