مشروع مستدام لعائلة عراقية
الزراعة المائية حل مبتكر في ظل أزمة المياه مشروع مستدام لعائلة عراقية
12 يونيو 2023
تبدأ قصة عمار في بغداد حيث ولد وترعرع. يظن عمار أن ما أشعل فضوله منذ نعومة أظفاره كانا حدثان اثنان: مشاهدته للتقاليد القديمة للزراعة من حوله، واكتشافه للتكنولوجيا المستوردة من بلاد بعيدة. فبعد رحلة والده إلى اليابان في الثمانينيات، أحضر معه مجموعة من الأدوات المثيرة للاهتمام، أشياء لم يرها عمار مسبقاً وأصبحت محط اهتمامه ورمزاً رائعاً للابتكار والتقدم بالنسبة له. أضاءت هذه الإلهامات شعلة في عمار، حيث جمعت بين حبه للزراعة والتكنولوجيا، ووضعته على الطريق ليصبح رائد أعمالٍ ذو رؤية مبتكرة.
اليوم، يترأس عمار مشروع طموح، المشروع هو مزرعة ذكية تسعى إلى مواجهة أحد أكبر التحديات التي تواجهها مدينته بغداد: شحة المياه. يستخدم مشروعه تقنية الزراعة المائية، وهو نظام يمكّن نمو النبات في محلول غني بالمغذيات قائم على الماء، مما يلغي الحاجة إلى التربة ويقلل بشكل كبير من استخدام المياه. رؤية عمار تم صياغتها وتطويرها بعناية بمرور الوقت. فبعد بناء نموذج أولي صغير الحجم، لجأ عمار إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للحصول على نصيحة من الخبراء. وبعد تلقيه الدعم الفني من برنامج البيئة التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، أخذ عمار طموحاته إلى الخارج حيث ذهب إلى الأردن وقام بتوسيع معرفته ومهاراته من خلال دورات دراسية متخصصة.
عند عودته إلى بغداد، مسلحاً بخبرته المكتسبة حديثاً ورؤية معززة، استثمر عمار مدخراته الشخصية في مشروعه الجديد - "مزرعة الحيّاني". وهي ليست كأي مزرعة، فـ"مزرعة الحيّاني" هي عبارة عن مركز مستدام ومبتكر للتكنولوجيا الزراعية. فبجانب الزراعة المائية، تشتمل "مزرعة الحيّاني" على نظام الزراعة الأحيومائية - وهو نظام يدمج تربية الأسماك مع الزراعة المائية، حيث توفر المخلفات الناتجة عن تربية الأسماك العناصر الغذائية للنباتات. ومع ذلك، لم يتوقف ابتكاره عند هذا الحد. فإدراكاً منه للحاجة الملحة للحفاظ على الطاقة، قام عمار بدمج التبريد السلبي في تصميم المزرعة - وهي تقنية تسخر العملية الطبيعية لتبخير المياه لتبريد الهواء المحيط، وبالتالي توفير حوالي 85٪ من استهلاك الطاقة.
تمتد "مزرعة الحيّاني" على مساحة 1400 متر مربع وتعمل بالطاقة الشمسية بنسبة 80٪، وهي مثال ممتاز للزراعة المستدامة. ففي كل عام، ستنتج المزرعة أكثر من 120 طناً من الفواكه والخضروات بما في ذلك الفراولة والخس والبصل. وستقلل "مزرعة الحيّاني" بشكل كبير من الأثر البيئي السلبي عن طريق خفض استخدام البلاستيك بنسبة 60٪، وخفض استخدام المياه بنسبة 75٪، وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 30 طناً سنوياً. إن الآفاق المادية لهذا المشروع واعدة أيضاً، فبحسب عمار، فإن مشروعًا مشابهًا قد يشهد عائدًا على الاستثمار بنسبة 65٪ في العام الأول، ويحتمل أن يوفر حوالي 20 وظيفة دائمة و80 وظيفة مؤقتة، ويمكن أن يضمن أيضاً للأسرة صاحبة المشروع دخلاً جيداً يكفي ستة أفراد.
ومع ذلك، بالنسبة لعمار، فإن مشروعه يتجاوز المكاسب المالية. فهدفه النهائي هو إثبات جدوى وربحية الزراعة المستدامة لعائلته وجيرانه ومجتمعه المحيط. ويعتقد عمار أنه على الرغم من التحديات التي تواجه مدينته بغداد، يمكن لسكانها إنشاء الأعمال التجارية المستدامة والمربحة. تعمل عائلته، و "داعموه الأوائل"، إلى جانبه في المزرعة كل يوم، وهم سبب أساسي وراء نجاح رؤيته الطموحة.
رحلة عمار هي مزيج من الطموح والابتكار. قصته ترمز إلى حقبة جديدة من "التغيير الأخضر" لبغداد وربما حتى لبقية العراق. من خلال رؤيته، يوضح عمار أنه مع المزيج الصحيح من الحكمة التقليدية والتكنولوجيا المبتكرة، يمكن للعراقيين أن يخلقوا مستقبلًا ليس مستدامًا فحسب، بل مزدهرًا اقتصاديًا أيضًا.