
مع اقتراب عام 2024 من نهايته، أجد نفسي أتأمل في المرونة والعزيمة التي تملكها ليبيا وشعبها. في الأشهر الثلاثة التي لحقت انضمامي فيها للمكتب، شهدت عن قرب كيف بإمكان المجتمعات المضي قدماً رغم التحديات، وكيف بإمكانها أن تضع الأسس لمستقبل أكثر إشراقًا. مسترشدين بوثيقة البرنامج القُطري 2023-2025، كانت جهودنا هذا العام موحدة بهدف واحد: خلق فرص تؤدي إلى تغييرات دائمة.
المرونة من خلال بناء السلام والابتكار
من شوارع الكفرة إلى المعالم الثقافية في بنغازي، فإن تقدم التعافي والتجديد ملحوظ. خلال زيارتي مؤخراً، شعرت بالطاقة الحيوية لمجتمع يتجمع في الملعب الذي تم إعادة تأهيله حديثًا في الكفرة. لم يكن مجرد ملعب لكرة القدم؛ بل كان مساحة أعيد فيها إشعال الأمل واستعادة الوحدة. عبر ربوع ليبيا، تحوّل مبادرات مماثلة المساحات التي كانت تعرف بالصراع إلى مراكز للحوار ولمشاركة الأهداف، مما يعكس مرونة وعزيمة الشعب الليبي.
في بنغازي، تجسد عملية ترميم قصر المنار، بالتعاون مع صندوق إعمار بنغازي درنة، نفس روح التجديد، حيث تدعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الجهود للحفاظ على هذا المعلم التاريخي كجزء من التزام أوسع لحماية التراث الثقافي الليبي. على الرغم من أنه لا يزال قيد الترميم، فإن هذا المعلم التاريخي يعكس التزامًا عميقًا بالحفاظ على التراث الثقافي لليبيا. وعند إعادة افتتاحه في عام 2025، سيوفر القصر جسرًا بين الماضي العريق لليبيا وطموحاتها المستقبلية، مما يقدم مساحة للتفاعل الثقافي والمجتمعي.
لقد كان للشباب دوراً محورياً في تشكيل هذه التحولات. برامج مثل مدرسة مهارة للبرمجة ودراية تزود الشباب بالمهارات اللازمة للتفوق في التكنولوجيا وريادة الأعمال والابتكار. في الوقت نفسه، مكّنت مبادرة رائدات، بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الشابات من حيازة أدوات القيادة للمشاركة في الحياة المجتمعية والعامة. هذه الجهود تعزز جيلًا جديدًا من القادة المستعدين لتحويل التحديات إلى فرص والمساهمة بشكل فعال في استقرار ليبيا وتطويرها.
تمهيد الطريق للنمو المستدام
شهد هذا العام أيضًا خطوات هامة نحو الاستدامة. دعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي جهود ليبيا للتوافق مع الأهداف المناخية العالمية من خلال تطوير استراتيجيتها الوطنية الأولى لتغير المناخ والمساهمات المحددة وطنياً (NDCs)، من خلال إعداد قوائم الجرد الوطنية لانبعاثات الغازات الدفيئة وتحديد خط مرجعي وأساسي للمساهمات المحددة وطنياً وتقديم البلاغ الوطني الأول إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. وقد توجت هذه الجهود بمشاركة ليبيا النشطة في مؤتمر COP29 في باكو، أذربيجان، ومؤتمر COP16 حول التصحر في الرياض، حيث تتخذ ليبيا خطوات لمعالجة التحديات الملحة مثل الجفاف وتدهور الأراضي، بينما تضع الأسس للمرونة المناخية المستدامة.
كان من المعالم الرئيسية إطلاق الاستراتيجية الوطنية لأمن المياه، التي قدمت نهجًا قائمًا على الأدلة لإدارة موارد المياه في ليبيا بكفاءة. مع اعتماد أكثر من 90% من إمدادات المياه في ليبيا على المياه الجوفية التي تتناقص بسرعة، تؤكد الاستراتيجية على الكفاءة والابتكار والروابط الحيوية بين المياه والطاقة والغذاء. إنها خطوة حيوية نحو الحفاظ على موارد ليبيا للأجيال القادمة.
تتمتع ليبيا أيضًا بإمكانات كبيرة في مجال الطاقة المتجددة، خاصة في الطاقة الشمسية والرياح، مما يوفر فرصًا كبيرة للتنمية المستدامة. هذا العام، اتخذنا خطوات هامة نحو استغلال هذه الإمكانيات، بما في ذلك جلسات تدريبية ومشاركة التجارب من دول أخرى حول أنظمة الطاقة الشمسية وكودات البناء الموفرة للطاقة. هذه المبادرات لا تبني فقط القدرات الفنية، بل تمهد أيضًا الطريق لقطاع الطاقة المتجددة الذي سيدفع النمو الاقتصادي ويساهم في الاستدامة البيئية طويلة الأجل في ليبيا.
تعزيز الحكم الديمقراطي والشمولية
كانت انتخابات المجالس البلدية في ديسمبر لحظة حاسمة في رحلة ليبيا الديمقراطية - أول انتخابات بلدية تديرها المفوضية الوطنية العليا للانتخابات. تمثل هذه الانتخابات علامة فارقة مهمة للمفوضية، حيث تظهر قدرتها على قيادة مثل هذه العمليات الحيوية. والأهم من ذلك، أنها تمثل خطوة أمل نحو الانتخابات الوطنية التي طال انتظارها. بينما كانت ملهمة في نطاقها، سلطت الانتخابات أيضًا الضوء على الحاجة إلى معالجة الشمولية، حيث شكلت النساء 29% فقط من الناخبين - وهي نسبة تؤكد على أن العمل لا يزال مطلوبًا لضمان المشاركة العادلة في اتخاذ القرار.
هذا العام، ركزنا على بناء القدرات، ورسم الخرائط القانونية، والتعاون مع أصحاب المصلحة لتعزيز العدالة والمصالحة. كان أحد الجوانب الرئيسية لهذا العمل هو معالجة قضية المفقودين، وهي تحدٍ شخصي عميق للعديد من الأسر في ليبيا. من خلال المشاورات مع الأسر المتضررة، والتبادلات الإقليمية مع منظمات المجتمع المدني، والشراكات مع المنظمات غير الحكومية، ندعم الجهود لإنشاء مسارات للعدالة والمصالحة.
بالتوازي، جمع المؤتمر الإقليمي الثاني للمرأة والانتخابات حول الإصلاحات القانونية الداعمة للمرأة والانتخابات أصحاب المصلحة لتطوير استراتيجيات قابلة للتنفيذ لتعزيز مشاركة النساء في الحكم. هذه الجهود هي خطوات حيوية نحو بناء مشهد سياسي يعكس حقًا تنوع ليبيا وإمكاناتها.
نظرة إلى المستقبل
بينما أفكر في إنجازات هذا العام، أتذكر التأثير غير العادي الذي يمكن أن يحققه التعاون. من إعادة بناء المجتمعات إلى تعزيز الاستدامة والشمولية، تم تشكيل كل معلم من خلال الجهود الجماعية لشركائنا وفرقنا والشعب الليبي.الدكتورة صوفي كيمخذزه