عندما يعالج الابتكار التحديات البيئية: دروس من زليتن

تغيير التيار حيال ارتفاع مستوى المياه الجوفية في ليبيا

22 يناير 2025
a group of people in a room
Malek El Maghrebi | UNDP Libya

بينما تتلألأ الشمس قبالة البحر الأبيض المتوسط, تظهر زليتن، المدينة الساحلية النابضة بالحياة في ليبيا، هادئة ومطمئنة ومع ذلك، تحت سطح الأرض، تتكشف أزمة صامتة، اتفاع المياه الجوفية يحول الشوارع إلى برك وتجعل من المنازل غير صالحة للسكن، تخيل أن تستيقظ لتجد المياه تتدفق إلى منزلك ومنزل جارك. كيف ستشعر في تلك اللحظة؟ ما الأفكار التي ستخطر ببالك؟ يصف عطيه جوان، أحد سكان المدينة، كيف أثر ارتفاع المياه الجوفية على مجتمعه. يقول: "بدأ الأمر في مطبخنا." في البداية، لاحظنا تسرب المياه، معتقدين أنها مشكلة في السباكة، ولكن سرعان ما غمرت المياه المنازل، وبدأت أساسات المباني تضعف." ما بدأ كحالات معزولة من زيادة الرطوبة في القبو في أواخر عام 2023 أصبح الآن قضية بيئية ملحة تؤثر على المنازل والأعمال التجارية والمزارع والبنية التحتية في جميع أنحاء المنطقة.

يتطور المشهد اليوم في ليبيا بشكل سريع، وقد ظهرت الفيضانات الناتجة عن المياه الجوفية في زليتن وبئر الغنم كأحد التحديات الحرجة، هذه الأزمة البيئية تعرقل حياة المجتمعات، وتلحق الضرر بالبنية التحتية، وتشكل مخاطر كبيرة على الصحة العامة.
منذ زمن بعيد، كانت الصحراء الليبية مغطاة بالمياه، ولكن اليوم تتميز بمناظر طبيعية رملية شاسعة مليئة بالأصداف الأحفورية التي تذكرنا بماضيها، تسلط هذه التغييرات الضوء على الصلة بين العمليات الطبيعية والنشاط البشري، مذكّرةً بأن "التغيير هو الثابت الوحيد" وأن عالمنا يتطور دائمًا، مما يتطلب منا التكيف مع حلول مستدامة.
 

استجابةً لذلك، نظّم مختبر تسريع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا، بالتعاون مع اللجنة الفنية العليا لمتابعة ظاهرة طفح المياه الجوفية تحت الإدارة العامة لشؤون الإصحاح البيئي بوزارة الحكم المحلي، إلى جانب شركاء محليين ودوليين لاستكشاف أساليب مبتكرة للكشف عن الأسباب الجذرية وراء هذه الظاهرة وتطوير حلول مبتكرة وقابلة للتطبيق، يجب أن تتبنى هذه الجهود نهجًا شاملًا، تشارك فيه النساء بنشاط في الأدوار الفنية وصنع القرار، لضمان وجهات نظر متنوعة تسهم في إيجاد حلول فعّالة. تجمع الجهود التعاونية بين أصوات متنوعة - خبراء ومبتكرين وسكان محليين - وتهدف إلى فهم الوضع الحالي بشكل جماعي، واستكشاف الحلول التكنولوجية، وتبادل الأفكار المحتملة الناشئة عن مثل هذه التحديات، ولعبت اللجنة الفنية الدور الرئيسي في فهم الوضع الحالي لظاهرة ارتفاع المياه الجوفية والشقوق الأرضية في ليبيا.

أدت الجهود التعاونية إلى رؤى رئيسية حول معالجة الفيضانات الناتجة عن ارتفاع المياه الجوفية، من خلال التركيز على الابتكار التكنولوجي، والعمل المجتمعي، وتعزيز السياسات، حدد الخبراء نهجًا متعدد الأبعاد للتخفيف من هذا التحدي المتصاعد وإمكانية تحويله من تحدي إلى فرصة.

فهم الأزمة بعمق

a group of people standing in a room

 

كان أرتفاع المياه الجوفية في زليتن مقلق بشكل خاص، مع نظريات تشير إلى تسرب مياه البحر إلى الخزانات الجوفية الساحلية، بالإضافة إلى تسريبات ناجمة عن بنية النهر الصناعي، وأنظمة الصرف الصحي الضعيفة، والتخطيط الحضري غير الكافي، وممارسات استخراج المياه الجوفية غير المنتظمة. في بئر الغنم، تشير الفيضانات المماثلة على بُعد 180 كيلومترًا إلى أن التغيرات الجيولوجية قد تسهم أيضًا في المشكلة.

أبرز الدكتور صالح الصادق، رئيس اللجنة الفنية العليا لمتابعة ظاهرة طفح المياه الجوفية ، ثلاث أسباب رئيسية، قائلاً: "تشير دراساتنا إلى أن ارتفاع مستويات المياه الجوفية مرتبط بشكل أساسي باستخدام المياه الحضرية، حيث يتم توجيه مياه الصرف الصحي المنزلية إلى خزانات الصرف الصحي بسبب غياب شبكة الصرف الصحي العمومية، تتدفق هذه المياه تحت الأرض إلى المناطق المنخفضة، مما يدخل ملوثات بيولوجية. ثانياً، تزيد التسريبات في شبكة إمدادات المياه القديمة في المدينة من تفاقم المشكلة. وأخيرًا، تساهم الظواهر الجيولوجية، مثل وجود خزان مائي على عمق 30 مترًا، أيضًا في مثل هذه الفيضانات."

تأثيرات ارتفاع المياه الجوفية واسعة النطاق ومقلقة للغاية، ليس فقط المنازل والأعمال التجارية معرضة لخطر الأضرار الهيكلية، ولكن هناك أيضًا مخاوف جدية بشأن تلوث المياه نتيجة لتسرب مياه الصرف الصحي، مما يهدد الصحة العامة والأنظمة البيئية، تسلط هذه التحديات الضوء على الحاجة الملحة لحلول مستدامة ومبتكرة لحماية المجتمعات والبنية التحتية.

الابتكارات التكنولوجية ومشاركة المجتمع

a sign above a door


استفاد مختبر تسريع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا، بالتعاون مع معهد قطر لبحوث الحوسبة، من تقنيات متقدمة مثل صور الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار المعتمدة على الإنترنت لمراقبة وإدارة مستويات المياه الجوفية. توفر أجهزة الاستشعار المعتمدة على الإنترنت، والتي هي أجهزة صغيرة موضوعة في الآبار ومواقع رئيسية أخرى، بيانات في الوقت الفعلي عن تقلبات المياه الجوفية، وتتيح هذه البيانات للسلطات المحلية اكتشاف التغييرات بسرعة والاستجابة بفعالية.

أوضح الدكتور محمد عمران، عالم أول. ورئيس فريق حوسبة الأزمات في معهد قطر لبحوث الحوسبة، وجامعة حمد بن خليفة، كيف يمكن أن تحلل هذه الأدوات التغيرات البيئية وتوفر بيانات لا تقدر بثمن من أجل اتخاذ قرارات أفضل:

"تتيح لنا هذه التقنيات تتبع الاتجاهات، وفهم الأضرار، واتخاذ قرارات مستنيرة، مما يمكّن من الاستجابة الاستباقية لفيضانات المياه الجوفية."

توفر أجهزة الاستشعار المعتمدة على الإنترنت الموضوعة بشكل استراتيجي في الآبار مراقبة فورية للمياه الجوفية، مما يمكّن السلطات من اكتشاف التغييرات بسرعة والاستجابة للأزمات بشكل فعال.

بعيدًا عن التكنولوجيا، فإن مشاركة المجتمع ضرورية بنفس القدر في معالجة المخاطر البيئية. يمكن أن تعزز مشاركة النساء في المبادرات المجتمعية المدفوعة والبرامج التدريبية الفنية تصميم وتنفيذ الحلول المحلية بشكل كبير، وأكدت السيدة ياسمين الأحمر، جيولوجية، أهمية زيادة الوعي العام:

"التعليم والوعي ضروريان لتشجيع المجتمعات على استخدام ممارسات إدارة المياه المستدامة، يمكن أن تساهم تدابير بسيطة، مثل اعتماد تقنيات الري الذكي أو تركيب أنظمة جمع مياه الأمطار، بشكل كبير في مواجهة التحديات التي تطرحها التغيرات المناخية."

بناء القدرة المحلية لحلول طويلة الأجل

يعد تعزيز القدرة المحلية في قلب نهج برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا، تجهز برامج التدريب في نظم المعلومات الجغرافية (GIS) وتقنية الإنترنت للأشياء (IoT) وتحليل البيانات الخبراء المحليين لمراقبة ومعالجة المخاطر البيئية بفعالية.

يؤكد الدكتور الصادق على أهمية دمج الأدوات الحديثة: "لقد أظهرت هذه المبادرات إمكانيات الأدوات الحديثة في معالجة ارتفاع مستويات المياه الجوفية، من خلال دمج هذه الأدوات في ممارساتنا، يمكننا خلق حلول طويلة الأجل."

لزيادة تأثير هذه المبادرات، يعد إشراك النساء بنشاط في البرامج التدريبية الرئيسية أمرًا حيويًا، تعزز مشاركتهن التخطيط الاستراتيجي وتضمن التطبيق الفعال للأدوات الحديثة لمعالجة الأزمة، إن تضمين النساء في صنع السياسات يدعم أيضًا ترقية البنية التحتية لتلبية الاحتياجات المتنوعة للمجتمعات.

يمكن أن تسهم الجهود التعاونية بين الهيئات الحكومية والباحثين والمجتمعات المحلية في ربط التكنولوجيا الحديثة بالممارسات التقليدية، مما يعزز الحلول طويلة الأجل، سيسهم معالجة البنية التحتية القديمة، مثل أنظمة الصرف الصحي ومرافق معالجة مياه الصرف الصحي، في تقليل مخاطر التلوث وتعزيز القدرة على التكيف.


تحويل التحديات إلى فرص

أدت الجهود المبذولة لمعالجة الفيضانات الناتجة عن المياه الجوفية في زليتن إلى إثارة مناقشات حول كيفية تحويل هذه الأزمة إلى فرصة للتنمية المستدامة، إن ارتفاع المياه الجوفية يمثل إمكانيات للاستخدام الزراعي، مثل إنشاء بحيرات صناعية للري، أو زراعة الأرز في حقول مائية لزراعة المحاصيل شبه المائية، أو استكشاف تقنيات الزراعة المائية.

بعيدًا عن الزراعة، تقدم هذه التحديات البيئية فرصة للمخططين الحضريين للابتكار وتصميم بنية تحتية مرنة تتكامل مع المشهد الجغرافي المتغير. على سبيل المثال، يمكن تحويل المناطق المعرضة للفيضانات إلى مساحات عامة، أو حتى استغلالها للسياحة من خلال دمج الشقوق الأرضية وميزات المياه. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تُستخدم المياه لأغراض صناعية، مثل تبريد الآلات في المصانع. يمكن أن تعالج هذه الحلول التحديات البيئية وتعزز التخطيط الحضري لبناء مدن أكثر استدامة.

من خلال تحديد الحلول القابلة للتنفيذ واستغلال قوة الذكاء الجماعي والتكنولوجيا، يواصل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي العمل مع المجتمعات المحلية والشركاء الدوليين لاستكشاف أساليب مبتكرة لمعالجة إدارة مخاطر الكوارث. معًا، يمكننا تحويل هذه الأزمة إلى فرصة للتنمية المستدامة، وبناء القدرة على الصمود وضمان مستقبل أكثر أمانًا للأجيال القادمة.