"نختار السلام لأننا نريد أن نوصل الناس ببعضهم... لكننا بحاجة أيضاً لندرك كيف يفسر الناس، من مختلف الديانات والثقافات والخبرات، السلام".
تقول سرور، طالبة في جامعة الأنبار، 24 عاماً: "حاولت أن أجمع العراق كله في تمثال واحد".
يبهر الأنظار بهيكله البالغ 24 متراً مكعباً، ومكعباته الأربع السوداء والبيضاء غير المتماثلة والمركبة فوق بعضها وسط الرمادي. وتضيف: "يُظهر مكعبه الأول للعيان أسماء كل محافظات العراق بالخط الكوفي. ومكعبه الثاني أسماء الحضارات القديمة، والثالث رموز المجموعات الدينية المختلفة في العراق. بينما يحمل المكعب الأخير حروفاً بالخط المسماري، إلى جانب الصورة الرمزية لحمامة السلام. يرى الناس التمثال، لكنهم مدعوون أيضاً لتفسير ما يرمز إليه. ما الذي يمثله؟"
تنضم إلى سرور صديقتها وزميلتها الطالبة تسنيم، 28 عاماً.
كلا الشابتين تسميان الأنبار موطنهما. لكن ما الذي تشتركان فيه أيضاً؟ إنه الالتزام ببناء السلام في مجتمعهما. "نختار السلام لأننا نريد أن نوصل الناس ببعضهم... لكننا بحاجة أيضاً لندرك كيف يفسر الناس، من مختلف الديانات والثقافات والخبرات، السلام".
قدم برنامج الاستجابة للأزمات وبناء القدرة على مواجهتها في العراق التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والمنظمات غير الحكومية، وجمعية الأمل العراقية، بين عامي 2017 و 2019 تدريباً لنحو 289 شاباً وشابة (منهم 122 امرأة) من جميع أنحاء العراق، أمثال سرور وتسنيم. وقد دعي الطلاب لتصميم نشاطات تم تدريبهم عليها لدعوة أفراد المجتمع بخلفياتهم المتنوعة للمشاركة في الترويج لثقافة السلام، ومشاركة وتبادل الأفكار. وقد اختير 114 مشروعاً لتلقي منح نقدية صغيرة مع الدعم اللازم خلال كافة مراحل تخطيط وترويج وتنفيذ مبادراتهم.
إتاحة المجال لدور المرأة
اختارت تسنيم، المغرمة بالتصوير، إقامة معرض للصور مطلع عام 2018. تقول وهي تركز بعدسة كاميرتها على نقطة بعيدة: "أردت أن أربط بين شيئين: التصوير كوسيلة قوية لرواية القصص، والنساء وهن قليلات في العراق. أرى أن هناك فجوة ضمن المجتمع الذي أعيش فيه، تهتم النساء بالتصوير لكنهن تفتقرن إلى المهارة. ولم أعرف كيف أبدأ بالخطوة الأولى". شاركت في المعرض مع جهود تسنيم ثمان نساء، "معرض السلام"، وما زالت كثيرات تلتقطن الصور حتى اليوم. تقول تسنيم: "أردت تحدي قوالب التنوع الجنسي في مجتمعي وإيجاد مساحة للمرأة للتعبير عن أفكارها بأمان. عندما بدأنا بتشجيع الناس على استغلال مواهبهم في نشر رسائل سلام شخصية، التفت إلينا أفراد المجتمع باهتمام. وفجأة، كنا نطلب منهم التفكير في ماهية صورة السلام بالنسبة لهم!
رسوم من أجل السلام
لدى مغادرة وسط المدينة، التقينا بشابة أخرى داخل حرم جامعة الأنبار. كانت نور، 24 عاماً، فنانة طموحة تلقت أيضاً منحة لأجل مبادرتها المجتمعية بعنوان "لمسة نساء الأنبار". تقول: "دعا معرضي للرسوم 17 شابة تعيش في الأنبار لرسم ما يعبر بنظرهن عن السلام. كانت أصغر من عرضت رسومها تبلغ من العمر 7 سنوات".
عرضت نور علينا إحدى اللوحات في حديقة الجامعة التي تحيط بها المكاتب والصفوف الدراسية التي جددت حديثاً. تشرح تسنيم وهي تروي حكاية نور: "اخترت كلية الصيدلة لتكون صالة عرض الرسوم، حيث تقوم على الأمر امرأة فأردت أن أتيح المجال للنساء، لكن ينبغي أن يكون المكان آمناً أيضاً".
على الرغم مما يبدو عليه مظهرها الآن، فإن 70 بالمائة من مباني الجامعة تم تدميرها و أصيبت بأضرار خلال احتلال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" للرمادي، مما أعاق عودة الطلاب وأجبرهم على متابعة الدراسة بين الأنقاض.
لكن بدعم من مشروع إعادة الاستقرار التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق وبالشراكة مع الحكومة العراقية، عادت أبنية جامعة الأنبار إلى الحياة. إذ تمت إعادة تأهيل 18 من مباني الجامعة، بما في ذلك السكن الجامعي الخاص بالطالبات، والمكتبة الرئيسة في الجامعة، وعدة مختبرات هندسية وخمس كليات للطالبات. وقد شجعت إعادة التأهيل الطلاب على العودة إلى الجامعة بعد تحرير الرمادي من خلال توفير بيئة تعليمية آمنة ومريحة مع تأمين المرافق الضرورية. تعج مباني الجامعة اليوم بأكثر من 23,000 طالب وطالبة.
من داخل هذا المكان، يتم تمكين شباب مثل نور من استغلال مهاراتهم في المساعدة بتعافي سكان الأنبار، بدءًا بأفكارهم عن السلام.
"ربطت نور النساء المهتمات ليرسمن مع طلاب وكادر كلية الفنون من ذوي الخبرة فساعدتهن في الحصول على الدعم الذي كن بحاجة إليه لصياغة أفكارهن من خلال الرسم".
تأثير الكتب
التقينا بعد ذلك بحسن واقفاً عند خزانة زجاجية عالية في فناء كلية العلوم السياسية والقانون، وهو خريج حديث وأصغر مدافع عن السلام بين من التقينا بهم. "قررت أن أضع مكتبة سلام مصغرة في الحرم الجامعي. ملأت الخزانة بالكتب لمساعدة الناس في التعرف على فكرة السلام وتفسيراته الكثيرة".
وأضاف: "وجدت هناك حاجة عند الناس لمعرفة أسباب النزاع، ولماذا نحن بحاجة لبناء السلام. وهو طريق ليكتشف الناس السلام بشكل منفرد. يمكن للمرء أن يأخذ كتاباً ويقرأه في الحديقة أو في البيت منفرداً. مع مرور الوقت، أصبح الناس أكثر نشاطاً في نقاشهم لأفكار السلام والتساؤل عما يدور في مجتمعنا. بدأ الشباب يغيرون أسلوب حديثهم عن النزاع وعما تدعو الحاجة إلى أن نفعله كمجتمع لتحقيق السلام".
يجمع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق وجمعية الأمل العراقية الشباب من كل أنحاء البلاد لتدريبهم وجهاً لوجه، شابات وشبان وأناس من خلفيات عرقية ودينية مختلفة، لتعزيز التفاهم على أساس تبادل الخبرات والأمل المشترك. يمكن للشباب في هذه الأماكن الآمنة تكوين فهم جديد لمن يختلفون عنهم. حيث تشرح تسنيم وسرور ونور وحسن قائلين: "نريد أن نوصل بين كل الرجال والنساء ونوفر لهم فرصاً متوازنة للوصول الى السلام، وأن يوجدوا معانيهم وتوضيحاتهم الخاصة. نحن نعتقد أن على الناس أن تتاح لهم فرصة ليكونوا من يريدون وأن يفعلوا ما يحلوا لهم، هذا هو السلام".
بالنسبة لهذه المجموعة، يستمر الدعم الذي يتلقونه بتشجيعهم على التفكير الجديد. تضيف تسنيم: "يهتم الشباب بالتفكير. وقد رأينا الآن تأثير دعوة الناس لإيجاد معانيهم الخاصة بهم من خلال الفن والنقاش".
عن مشروع بناء تعليم السلام
مكّن التمويل السخي من حكومتي ألمانيا واليابان من تنفيذ نشاطات مشروع بناء تعليم السلام. يدرب المشروع الذي ينفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق وجمعية الأمل العراقية الشباب والأكاديميين في كل محافظات العراق وإقليم كردستان العراق على موضوعات عن دراسات بشأن السلام والنزاعات. وقد أطلق المشروع في عام 2019 أول دبلوم وطني في دراسات السلام والنزاعات، وضع بالتعاون مع اتحاد الجامعات العراقية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي. وستشارك المجموعة الأولى من الطلاب في تجربة الدبلوم أواخر عام 2019.
نجحت جمعية الأمل العراقية منذ عام 2017 في تدريب 289 شاباً وشابة (منهم 124 شابة) على موضوعات بناء السلام والنزاعات، مع تدريب الخريجين على تصميم وتنفيذ 122 مبادرة مشاركة مجتمعية، وبناء روابط اجتماعية أقوى في مجتمعات كانت قد تأثرت بالنزاعات والأزمات.
عن برنامج العمل على إعادة التأهيل في الرمادي التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي
أسس مشروع إعادة الاستقرار في العراق التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في حزيران (يونيو) 2015 بناء على طلب الحكومة العراقية لتسهيل عودة النازحين العراقيين إثر أزمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" ولوضع أسس إعادة الإعمار والتعافي، والحماية من عودة التطرف.
ولمشروع إعادة الاستقرار في الرمادي منذ كانون الأول (ديسمبر) 2015 أكثر من 265 مشروع في المدينة. يساعد المشروع السلطات المحلية في إعادة التأهيل السريع للبنى التحتية والخدمات الأساسية، كشبكات المياه والكهرباء والمرافق الصحية والمدارس والمنازل.