لضمان الحفاظ على المكاسب التي تحققت في تعليم السلام مع استمرارنا في التصدي لجائحة كورونا.
الشباب هم الأمل لسلام دائم في العراق
11 أغسطس 2020
منذ عام 2017 شاركت تسع جامعات عراقية في مشروع تعليم السلام من خلال تطوير مناهج لبرامجها الأكاديمية الخاصة وبناء القدرات وكذلك في مجال البحث. وخلال هذا الوقت، واجهت البلاد العديد من الأزمات بما في ذلك استمرار نشاط تنظيم داعش وانعدام المساواة الاجتماعية والمظاهرات المناهضة للحكومة التي انطلقت في جميع ارجاء البلد ومؤخرا ظهرت أزمة فيروس كورونا. إضافة إلى الظروف الصعبة اصلا، أصبحت إعادة بناء العلاقات المتضررة ومعالجة المظالم بشكل مباشر مستحيلة لفترة مؤقتة لتوجه الجهود المبذولة نحو مكافحة الوباء. خلال الأشهر الأولى من الوباء ومع ظهور الضرورة الجديدة المتمثلة في التباعد الاجتماعي، كان على تغيير أنماط العمل بالاعتماد على الإنترنت أن يكفي كبديل عن التواصل الشخصي المباشر.
في الوقت الذي يجب أن تكون أنشطة الاستجابة الفورية لها الأسبقية من أجل ضمان استمرار النظام الصحي الوطني في العراق بدعم العدد المتزايد من الأشخاص الذين يتعالجون من الإصابة بفيروس كورونا من خلال إنشاء 180 غرفة عزل في 13 منشأة رعاية صحية في 12 محافظة – فلابد من استكشاف الاسئلة التي تدور حول كيفية استمرار ازدهار نظام دراسات السلام الذي تم إنشاؤه حديثاً في العراق. قبل يوم الشباب العالمي، ننظر هنا في كيفية استمرار مشاركة الشباب العراقي في دراسة وتعليم السلام كأمر بالغ الأهمية لاستمرار التنمية المستدامة وقدرة العراق على الصمود في المستقبل.
بدأ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق وجمعية الأمل العراقية المرحلة الأولى من مشروع تعليم السلام في شهر أب 2016 بهدف تمكين الجامعات العراقية من التأثير بشكل أفضل على السلام وتحويل النزاعات. فيما انضمت جامعة إنسبروك من النمسا إلى المشروع في تموز 2018 للمشاركة في تصميم منهج دبلوم الدراسات العليا لدراسات السلام والصراع.
خلال مراحل المشروع الأربع:
- تم تدريب أكثر من 120 من أساتذة الجامعات العراقية في مواضيع دراسات السلام والصراع.
- درس 45 طالباً في البرنامج التجريبي لدبلوم دراسات السلام والصراع في جامعات الأنبار وبغداد والموصل.
- أجرى 28 باحثاً 180 مقابلة في إطار أداة تجريبية لرسم خرائط التوتر الاجتماعي نتج عنه تقرير حول مراقبة السلام والنزاع في العراق.
- إكتسب 339 من الشباب والناشطين العراقيين بعمر(18-32 سنة) مهارات السلام وتحويل الصراعات. حيث قاموا بتصميم وتنفيذ 172 نشاط مجتمعي من أجل السلام، بمشاركة أكثر من 11,000 من أفراد المجتمع والنازحين والعائدين.
فيما يتعلق بأوروبا وأمريكا الشمالية فقد تأسست دراسات السلام كاستجابة أكاديمية مباشرة للدمار الناتج عن الحربين العالميتين وكذلك لتفنيد الفهم الشائع أنذاك أن مجرد منع الحرب والعنف يكفي إلى حد بعيد لإحداث تغيير بنّاء. في وقت لاحق، تم تشذيب تطورها من خلال المناقشات حول مناهضة الاستعماروالحروب الأهلية حول العالم، والتي غالباً ما وضعت مسائل العدالة الاجتماعية والحقيقة التاريخية في قلب النقاش. إذن، ما هو الوضع الحالي لدراسات السلام في العراق؟ هل يمكن لدراسات السلام أن تبني أساساً لحوار متقدم وهادف بين الجهات الحكومية والمجتمع المدني، والذي يعترف بالشباب العراقيين كعناصر اساسية للتغيير؟
أن تفسير وتطبيق دراسات السلام والصراع عبر سياقات مختلفة يتميز باختلافات كبيرة إلا أن هناك قاسماً مشتركاً هو التركيز على إمكانية إعادة استكشاف العلاقات التي كانت مشتتة وربما حتى منقطعة، مقابل تجربة الدخول في صراع وفهم صفاتها وإمكانياتها. نتيجة لذلك وعلى مدى عقود طور الأكاديميون والممارسون طرقاً مبتكرة لتحليل هذه الحقائق المعقدة وخلقوا أدوات مفيدة لتحويل الصراع. يشترك الكثير منهم في الرؤية القائلة بأن التغيير لا يأتي بسرعة، ولكنه يتطلب جهوداً متواصلة من الأجيال التي تتولى تدريجياً مهمة رأب الانقسامات.
تعد قدرات السلام وتحويل النزاعات ضرورية للجيل الجديد من الناشطين الشباب لتحديد احتياجات مجتمعهم والإستجابة لها إضافة الى استخدام الأساليب الإبداعية مثل الفن والموسيقى والرياضة بالاضافة الى التواصل المجتمعي مع الناس من الأديان والأعمار والثقافات والعادات المختلفة. كما أنهم يستفيدون من استخدام أدوات مثل وسائل التواصل الاجتماعي لبناء التضامن وتوليد ثقافة المشاركة المدنية، ويسمح لهم هذا الاستقلال النسبي والشعور بالملكية لعملية السلام بأداء أنشطة متنوعة وخلق تفاهمات وتعاونات مع الآخرين، ولكن لا يزال هناك مساحة لتعزيز هذه القدرات والأسس لتحسين الاستدامة والمساهمة في مرونة المجتمعات العراقية.
لذا، بينما نبدأ في فهم دور الشباب (ومعلميهم) كعوامل للتغيير في السياق الأوسع للسلام في العراق، كيف يمكننا أيضاً فهم دورهم في سياق أزمة جائحة كورونا؟ في حين أن العاملين في المجال الصحي والأطباء في الخطوط الأمامية يعتبرون مهمين لرعاية وتعافي الأفراد الذين يتعالجون من الاصابة بفيروس كورونا، يجب ألا ننسى التقدم الذي تم إحرازه بالفعل في العراق لأجل تعافيه من عقود من الصراع والحرب. في الواقع، في أوقات الأزمات التي يمكن أن تتصاعد فيها حدة الصراع في كثير من الأحيان، يمكننا أن نرى من خلال الوسائل البسيطة أهمية مهارة فهم السلام وتحويل النزاعات كما في داخل الأسر التي تواجه توترات متزايدة بعد ان يحصل تغيير في نمط عيشها. فمنذ أن تفشت جائحة كورونا العراق اواسط اذار 2020 شهدنا شباباً عراقيين - ولا سيما أولئك الذين شاركوا في دراسات السلام والصراع - أظهروا قوة التفاهم والتضامن بين الأعراق والمجتمعات والأمل الدائم الذي ينشأ عندما نكون قادرين على رأب الإنقسام. أظهر كل من الشباب والشابات حماساً وشغفاً كبيرين للإستجابة لاحتياجات مجتمعاتهم والدعوة للتضامن الاجتماعي للتخفيف من تأثير أزمة جائحة كورونا. حتى الآن، شهدنا العديد من المبادرات العملية والمبتكرة التي تهدف للوصول إلى الفئات الضعيفة والمهمشة في المجتمع. وقد استفاد أكثر من 3.3 مليون عراقي من استجابة المجتمع المدني العراقي للوباء بما في ذلك دعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمجموعات المتطوعين المحلية لتوزيع 4,150 سلة غذائية. في كل مرة يتم فيها تسليم سلة غذائية، يتم تذكير المجتمع بأن دعم بعضهم البعض - خاصة في أوقات الأزمات - أمر بالغ الأهمية لازدهار العراق.
يقود الشباب المجموعات التطوعية العراقية بشكل رئيسي، ويقومون بأنشطة للمساعدات الإنسانية، والتعايش، ورفع الوعي المجتمعي. تتميز هذه المجموعات بالمرونة العالية والقدرة على التكيف مع السياقات المتغيرة ولديها القدرة على اتباع طرق مختصرة لتقديم المساعدة المطلوبة، والتي ليس من السهل على الحكومات أو الأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية تقديمها بسرعة.
سيكون من الخطأ النظر إلى العراق من منظور أزمة فيروس كورونا فقط. حيث مرت البلاد بأزمات متعددة في السنوات الأخيرة، بعضها مازالت مستمرة. وفي الوقت الذي يتطلب وجود الوباء العديد من الاستجابات الفورية، فإن السؤال الرئيسي الذي تطرحه دراسات السلام والصراع هو كيفية إعادة بناء العلاقات في سياق الأزمات المتعددة في فترة ما بعد الحرب والذي يحتاج إلى معالجة جيدة وغعطاءه الأولوية.
المؤلفون المشاركون
ئالا علي هي المسؤولة الأولى عن مشروع تعليم السلام مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي العراق ومنسقة المشروع الممول من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "التعليم من أجل السلام في نظام التعليم العالي العراقي". منذ حصولها على درجة الماجستير في تحويل النزاعات وبناء السلام في جامعة إيسترن مينونايت، أمضت 15 عاماً في العمل في مجال السلام وحل النزاعات واختيرت في عام 2015 من قبل الإذاعة العامة الدولية واحدة من "سبع نساء من صانعات السلام اللاتي يجب أن يتابعوا .
أدهم حامد باحث في شؤون السلام والصراع في جامعة إنسبروك، حيث طور وأدار مشاريع الجامعة في العراق بالشراكة مع جمعية الأمل العراقية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق.
ألبا لوسرت باحثة سلام ونزاعات في جامعة إنسبروك، حيث أجرت أبحاثاً حول السلام ومراقبة الصراع في العراق منذ عام 2019.
منتظر حسن هو مديرمشروع تعليم السلام في جمعية الأمل العراقية. وهو أيضًا طالب ماجستير في دراسات السلام.