في ظل الظروف الصعبة والتحديات التي يعاني منها سكان الاهوار من الفقر وشحة في الخدمات الرئيسية مثل مياه الشرب وعدم توفر الطاقة الكهربائية مع نقص الخدمات الصحية والتعليمية، يشكل التغير المناخي في المنطقة تهديدا وعبئاً مضاعفاً على حياة السكان وسبل معيشتهم.
النساء في المجتمع الاهواري تختلف في عملها اليومي ومساهمتها في تطوير الاسرة عن النساء في المجتمع الريفي والمجتمع الحضري اذ ان المرأة في الاهوار تساهم كالرجل في الذهاب الى الهور بشكل يومي من اجل قطع القصب وتجميعه و استخدامه كعلف للجاموس كما وتقوم بتحضير الحليب ومشتقاته من الجاموس ومراعاة القطيع فضلا عن تربية الاطفال والاهتمام بشؤون الاسرة. ان عمل المرأة الاهوارية اليومي هو عمل شاق جدا في ظل ظروف تطرف المناخ العراقي المعتاد اذ انه حار جاف صيفا وبارد ممطر شتاءامع تزايد آثار تغير المناخ السلبية، أصبح من الواضح أن النساء في منطقة الأهوار هن أول من يعاني من شحة المياه بسبب التغيرات المناخية وارتفاع درجات الجرارة، حيث يؤثر الجفاف على الجاموس التي يقمن بتربيتها مما يضطرهن الى البحث عن مصادر ابعد لتوفير المياه. ومن الجدير بالذكر بان الجاموس في الاهوار يعد من الحيوانات شديدة الحساسية لتردي نوعية المياه وارتفاع درجة الحرارة، لذلك فان سكان الاهوار يظطرون للمغادرة الفورية من الاماكن التي تتردى فيها نوعية المياه بسبب الشحة وارتفاع درجات الحرارة. وتجمع المصادر على ان علاقة سكان الاهوار والمرأة على وجه الخصوص بالجاموس في الاهوار هي علاقة تاريخية تمد الى الاف السنين ويتعذر على سكان الاهوار العيش بدون جاموس كما يعد الجاموس هو المحدد الاساسي لارتباطهم بالارض.
تقول ام قاسم، من سكنة هور الحويزة، وام لـ 11 طفلاً : " نعتمد في معيشتنا على تربية الجاموس، نبيع الحليب ومشتقاته" وتضيف: " تشرب الماشية التي نربيها من مياه الاهوار، وفي حال جفافه نكون مجبرين على توفير الماء من مصادر اخرى قد تكون بعيدة جداً."
كان للجفاف الذي حدث خلال السنوات الماضية تأثير مدمر على الزراعة المحلية والثروة الحيوانية في الأهوار مما أجبر الرجال في على ترك مجتمعاتهم ومهنهم التقليدية في الاهوار للبحث عن سبل عيش أفضل في المراكز الحضرية، مما يؤدي إلى تفكك الترابط الأسري والتماسك المجتمعي بشكل عام.
تقول ام عيسى، التي تسكن مع اطفالها العشرة، منزلاً متواضعاً مصنوعاً من الطين والقصب في هور الحويزة : " عندما تجف الاهوار نكاد نموت من الجوع، يقضي الجفاف على الأنسان والحيوان في الاهوار على حد سواء." في وصفها للتأثيرات السلبية القاسية للجفاف والتغير المناخي.
وتضيف: "ان الرجال يتركون الاهوار الى المدينة للبحث عن وظائف في الشرطة او الجيش وتبقى العوائل خلفهم في ظل الفقر والجوع، الامر الذي يدفعنا الى تحمل مسؤوليات اكبر لإعالة اسرنا."
تقدم الاهوار خدمات نظم طبيعية كثيره جداً للسكان المحليين و تعد مصدراً مهم للسياحة البيئية نظراً للميزات التي تتمتع بها من إرث ثقافي يعود الى حقبة السومريين وطبيعة مميزة ذات تنوع بايولوجي غني جداً، . توفر السياحة البيئية في حالة انتعاشها الوظائف للشباب والنساء الاكثر هشاشة وعرضة للتغيرات المناخية، كما تخلق نوع من المساواة بين الجنسين وتساهم أنشطة السياحة البيئية في منع النزوح الناجم عن تغير المناخ وتعزيز الأمن السكاني.
تعمل السياحة البيئية على تشجيع النساء بممارسة المهن التقليدية اللتي اشتهرت بها هذه المنطقة والتي تساهم في تحسين المستوى الاقتصادي لعوائلهن. نساء الاهوار يعملن كذلك في صناعة وتشكيل الأعمال التراثية اليدوية على امل ان يجدن من يشتري اعمالهن لتوفير بعض المال لأسرهن.
على الرغم من جميع التحديات التي تواجهها نساء الاهوار وظروف معيشية صعبة، تظل المرأة الأهوارية شامخة معطاء، تحتوي عائلتها وتوفر لهم كل مايحتاجونه، فهي مثال يحتذى به، نستلهم منها الصبر والصمود في وجه الصعاب.
وفي جهوده للتصدي للتغيرات المناخية في العراق، يقوم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالشراكة مع وزارة الصحة والبيئة في العراق، وبالتعاون مع محافظة ميسان في مشروع دعم سكان أهوار الحويزة، بدعم من المكتب الإقليمي للدول العربية
وبتمويل من الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي.
يهدف هذا المشروع الوطني، الى دعم مجتمعات الأهوار لتصبح قادرة على الصمود أمام المخاطر الناتجة عن تغير المناخ والمسببة للكوارث المناخية كحالات الجفاف المتكررة والتي تشكل تهديداً مضاعفاً للسكان، اذ تؤدي إلى زيادة معدلات الفقر ونزوح السكان بسبب شحة المياه وتدهور النظام البيئي مما يؤثر على توفر سبل العيش.
يوفر المشروع حلولاً مبتكرة لضمان توافر المياه الصالحة للشرب لدعم توطين مجتمعات أهوار الحويزة في المناطق الاكثر هشاشة وذلك بتوفير محطات معالجة المياه تعمل على الطاقة الشمسية، كما يعمل المشروع على تعزيز تنويع سبل العيش من خلال تطوير السياحة البيئية وتوفير فرص عمل للنساء والشباب. حيث تساهم السياحة البيئية في تنويع دخل الأسرة وتوفير فرص معيشة إضافية للمجتمعات المحلية لزيادة قدرتها على الصمود والحد من النزوح.