إنقاذ الأرواح وإعادة إحياء النظام الصحي: أطباء العراق في دائرة الضوء

يشارك الأطباء العراقيون تجاربهم في إعادة بناء قطاع صحي مدمر ورؤيتهم لمستقبل بلادهم.

18 أكتوبر 2023

بعد أن شهد الدمار ثم التحول الكبير على مستشفى الرمادي التعليمي، امتلك الدكتور مهند شاكر الفهداوي دوافعاً اكبر لخدمة شعبه أكثر من أي وقت مضى.

الصورة: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق

في أعقاب الصراع ضد داعش، لا يزال قطاع الصحة العراقي يواجه تحديات هائلة، لكن ظل الأطباء والممرضات والعاملين الصحيين مناراتاً للأمل، هؤلاء هم مجموعة من الأبطال المجهولين الذين يعملون بلا كلل لتوفير الخدمات الطبية الأساسية للشعب العراقي.  

تحدثنا إلى بعض الأطباء الذين يعملون على إعادة بناء النظام الصحي العراقي. ستمنحكم هذه المقالات القصيرة فهماً أعمق حيث يشاركون قصصهم خلال الحصار وبعد التحرير من داعش.

 قصة الدكتور مهند

بدأ الدكتور مهند شكر الفهداوي كطبيب مقيم شاب في مستشفى الرمادي التعليمي للنساء والأطفال. في عام 2005، انضم إلى المستشفى، متلهفاً لصنع فرق في حياة أطفال الأنبار. بعد أكثر من ثلاث سنوات في المستشفى، انتقل إلى بغداد لمواصلة دراسته في جراحة الأطفال في مدينة الطب.

 

التركيز وسط الضائقة  

خلال فترة الاحتلال الداعشي المضطربة، حافظ الدكتور مهند على هدوئه وواصل دراسته بجد واجتهاد، بهدف الاستعداد بشكل أفضل لخدمة مجتمعه بشكل أفضل. في عام 2016، عاد إلى الرمادي كجراح أطفال متسلح بالمعرفة، لكن المستشفى الذي خدم فيه لم يسلم من براثن داعش.  

يقول الدكتور مهند: "لقد تضررت صالات المستشفى ومنازل الأطباء بشكل كبير وأحرقت. كانت الجدران مثقوبة بالرصاص. سرقت المعدات الطبية والأدوات والمستلزمات. كان المستشفى في حاجة ماسة إلى إعادة التأهيل وكذلك بحاجة الى الموظفين والمعدات".  

كانت حالة المباني والبنية التحتية تذكيرًا يوميًا بالخطر والصدمة التي مر بها هؤلاء الاطباء. على الرغم من الضرر الجسيم ونقص الموارد، أعاد طاقم مستشفى الرمادي، بما في ذلك الدكتور مهند، فتح المنشأة في عام 2016 لتقديم الخدمات الحيوية للعائلات العائدة إلى الأنبار. ومع ذلك، كان المستشفى بحاجة إلى إعادة تأهيل واسعة النطاق.  

"لم يكن من السهل استئناف العمل بعد تحرير العراق. كانت المستشفيات توفر خدمات محدودة للغاية في ذلك الوقت، لكننا فعلنا كل ما في وسعنا لعلاج وخدمة شعبنا".

 

انبثاق امل جديد     

اليوم، يضم مستشفى الرمادي التعليمي للنساء والأطفال غرف عمليات مطورة وأجنحة ولادة وأجنحة مرضى بسعة 260 سريراً ومختبرات وقاعات تدريس وسكن للموظفين. كما يحتوي على معدات طبية حديثة للرعاية الأمومة والولادة، والاختبار، والجراحات المعقدة، والفحص.   

يقول الدكتور مهند: "لقد شهد المستشفى تحولاً كبيراً بفضل دعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. بفصل غرف العمليات والمعدات الخاصة بالجراحات الأمومية والأطفال، نحن قادرون على إجراء عمليات جراحية منقذة للحياة وتقديم مجموعة واسعة من الخدمات للنساء والأطفال".    

جراح ومعلم، كان الدكتور عمر عبد القادر أحد الكوادر القيمة لمستشفى الرمادي.

الصورة: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق.

 قصة الدكتور عمر: 

كان الدكتور عمر عبد القادر جزءاً من المجتمع الطبي في الرمادي لأكثر من عقد من الزمان. بدأ الدكتور عمر مسيرته المهنية في مستشفى الرمادي التعليمي للنساء والأطفال عام 2010، بعد فترة وجيزة من حصوله على شهادة الدكتوراه في الطب من كلية الطب.   

خلال فترة سيطرة داعش، غادر الدكتور عمر إلى بغداد. وعاد إلى مستشفى الرمادي مباشرة بعد التحرير عندما رأى الحاجة الماسة إلى الخدمات الصحية. "كان المستشفى خارج عن الخدمة لفترة طويلة. عندما عدنا، تم تدمير 80% – 90% بالمائة من المستشفى". 

على الرغم من الانتكاسات، واصل الدكتور عمر وزملاؤه العمل مصممين على إعادة المستشفى ببطء لخدمة المحتاجين إلى العلاج أكثر من غيرهم. الآن، وهو جراح أطفال متخصص في علاج التشوهات الخلقية وأستاذ مساعد في مستشفى الرمادي التعليمي الذي تم تأهيله من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يلعب الدكتور عمر دوراً حاسماً في تقديم خدمات الرعاية الصحية العالية الجودة إلى أطفال الأنبار.  

باعتباره أحد المستشفيات القليلة المتخصصة في رعاية الأمومة والولادة في العراق، يعالج مستشفى الرمادي مئات المرضى كل شهر، حيث يستقبل قسم جراحة الأطفال وحده من 10 - 15 استشارة يوميا.  

يقول الدكتور عمر: "جراحة الأطفال هي تخصص جديد نسبياً في العراق. نظراً لتعقيدها، تحتاج جراحة الأطفال الكثير من الدقة والابتكار والتعاون. وتتطلب بعض العمليات الجراحية عدة جراحين وتستمر لمدة تصل إلى سبع ساعات".  

الحاجة إلى المزيد من جراحي الأطفال العراقيين

شهد مستشفى الرمادي تحسناً كبيراً. لكن حسبما ذكر الدكتور مهند والدكتور عمر ، إن المستشفى والبلاد بأكملها بحاجة إلى المزيد من المتخصصين الذين يمتلكون المهارات اللازمة للتعامل مع الأطفال ولديهم التدريب المناسب لرعاية المرضى الصغار.  

يضيف الدكتور عمر: "بوجود المزيد من الأطباء المتدربين على جراحة الأطفال، يمكن لقسمنا تقديم رعاية شاملة وتقليل اعتمادنا على التخصصات الأخرى. الرعاية المتخصصة للأطفال أمر حاسم لعلاجهم وشفائهم الناجح.

عازماً على إحداث فرق في مستشفى الفلوجة التعليمي، يغذي الدكتور مصطفى عبد الكريم حسين ثقافة التعلم والنمو بين طلابه.

الصورة: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق.

قصة الدكتور مصطفى:  

الدكتور مصطفى عبد الكريم حسين، استشاري جراحة الأذن والأنف والحنجرة والرأس والرقبة، يمتلك شغفاً تجاه عمله. بعد أن عمل في مستشفى الفلوجة التعليمي لأكثر من ثلاث سنوات، كان يساهم بخبرته في تحويل المستشفى إلى مركز للتميز في مجال الصحة والتعليم الطبي. 

 يقف مستشفى الفلوجة التعليمي، الذي تعرض للقصف والتدمير الشديد خلال صراع داعش، اليوم كواحد من أكبر مستشفيات المدينة وأكثرها تجهيزاً بعد إعادة تأهيله من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. يتم إجراء ما لايقل عن 20 عملية جراحية كبرى في هذا المستشفى كل شهر. 

"هدفنا هو المساعدة في تحويل مستشفى الفلوجة إلى مركز تعليمي معروف يجذب أفضل الكفاءات ويرأس الأبحاث والتقدمات المبتكرة في الرعاية الطبية. من خلال القيام بذلك، سنرفع من مستوى الرعاية ونضمن خدمات صحية أفضل لاهل الفلوجة.".كما قال الدكتور مصطفى.  

التزام الدكتور عمار عبد السلام حامد الراسخ بمعالجة مرضى القلب لم ينقذ الأرواح فحسب، بل ألهم الأمل في مجتمعه أيضاً.

الصورة: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق.

قصة الدكتور عمار  

بخبرة 25 عاماً في مجال جراحة القلب، شهد الدكتور عمار عبد السلام حامد انتصارات وتحديات النظام الصحي في العراق. الدكتور عمار رجلٌ ذو رسالة، لا يزال ملتزماً بتقديم أفضل رعاية طبية ممكنة لشعب الموصل.  

يشرف الدكتور عمار على قسم جراحة القلب في مستشفى السلام منذ تأسيسه في عام 2020. على الرغم من أن المنشأة جديدة نسبياً، إلا أنها أصبحت مركزاً حيوياً لرعاية القلب في المنطقة.

يقول الدكتور عمار: "يوفر مركز القلب الرعاية الضرورية لمن يعانون من أمراض القلب في مدينة تندر فيها هذه الخدمات. لا توجد مستشفى اخرى في المديرية الصحية مجهزة للتعامل مع الإجراءات المعقدة التي نقوم بها. هذا المركز يملأ هذا الفراغ ويمنح الأمل للمحتاجين." 

يقوم الدكتور عمار وفريقه بإجراء ما متوسطه 20-22 عملية جراحية شهرياً. هناك طلب متزايد على هذه الخدمات القلبية مع عودة المزيد من العائلات إلى ديارها وزيادة انتشار أمراض القلب. لتلبية هذه الاحتياجات المتزايدة، يتصور الدكتور عمار إنشاء المزيد من مراكز القلب مثل السلام، لضمان حصول كل عراقي على هذه الخدمة المتخصصة.  

رؤية مشتركة للعراق

بدافع من شغفهم بالطب ورغبتهم في خدمة الشعب العراقي، يعمل كلاً من مهند وعمر ومصطفى وعمار كقادة في النظام الصحي العراقي. مع تطلعات تتجاوز جدران المستشفيات التي يعملون فيها، يتمتع الأربعة جميعاً بالقدرة على إعادة تشكيل القطاع الصحي العراقي. و يعتقدون بانه لكي يزدهر القطاع الصحي العراقي، يجب استثمار المزيد في تحديث المرافق الصحية وبناء منشآت جديدة في المناطق التي لا تحظى بالخدمات الكافية وتدريب المهنيين الصحيين وتعزيز الرعاية الصحية الأولية وتعزيز الشراكات بين المؤسسات الصحية الحكومية والخاصة.    

يقول الدكتور عمر:"يجب أن يستثمر العراق في تطوير قطاع صحي قوي ومتين لضمان حصول كل عراقي على رعاية صحية عالية الجودة وبأسعار معقولة. عندما يكون الناس بصحة جيدة، فإنهم قادرون على العمل والتعلم والمشاركة في إعادة بناء أمتنا بشكل أكثر فعالية." 

حول البرنامج:

منذ عام 2015، أكمل برنامج إعادة الاستقرار للمناطق المحررة التابع لبرنامج  الأمم المتحدة الإنمائي أكثر من 500 مشروع متعلق بقطاع الصحة . وشملت هذه المشاريع إعادة تأهيل 19 مستشفى و 154 مركزاً للرعاية الصحية الأولية، مما أفاد أكثر من 5.63 مليون شخص. 

يخدم مستشفى الفلوجة التعليمي، الذي تم إعادة تأهيله بدعم من حكومة هولندا ووزارة التعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية الاتحادية من خلال بنك التنمية،و أكثر من 750 ألف شخص.  

تم تمويل إعادة تأهيل مستشفى الرمادي التعليمي للنساء والأطفال من قبل وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية الاتحادية من خلال بنك التنمية. يخدم اليوم أكثر من 400 ألف شخص. 

تم إنشاء مركز القلب في مستشفى السلام بدعم سخي من الاتحاد الأوروبي وهولندا والنرويج. يخدم أكثر من 30 ألف شخص في نينوىز