التمويل الأصغر المجتمعي يبث الأمل في ريف اليمن

29 مايو 2024

وصاب العالي، ذمار – اليمن.

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن / 2023

بين الجبال اليمنية الشاهقة، يجني النحالون العسل الذي تشتهر به اليمن. وفي المدن والقرى على حد سواء، يرتدي الرجال إزاراً تقليديًا منسوجًا يُعرف باسم "المعوز". وتعتمد المجتمعات النائية، الواقعة بعيدًا عن المدن، والتي تفتقر إلى شبكات الكهرباء العامة، على الطاقة الشمسية، كمصدر بديل للطاقة.إن ما يربط العسل والملابس والطاقة الكهربائية هي سلسلة المشاريع المجتمعية، التي تُساهم في تحسين حياة اليمنيين في الريف، من خلال تقديم التدريب والتمويل، لرفع مستوى دخل الأفراد، وتعزيز الأمن الغذائي، وتقوية الروابط المجتمعية، في قرى الريف اليمني.

عندما اندلعت الحرب في عام 2015، كانت اليمن تُصنف من بين أفقر دول العالم. وبعد تسع سنوات من الصراع، لا يزال الاقتصاد يعاني من تداعياته، حيث طالت آثاره جميع جوانب الحياة اليومية، من التعليم، إلى فرص العمل، والأمن الغذائي، وصولاً إلى توفير الخدمات العامة الأساسية.

أطفال يجلبون الماء في وصاب العالي، ذمار، اليمن

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن / 2023

 لقد انهارت الخدمات المالية، وبات الحصول على وظيفة أمرًا صعبًا للغاية، إن لم يكن مستحيلًا. وحتى بالنسبة لمن يعملون، فهم غالبًا لا يتقاضون رواتبهم بشكل منتظم. كما شهد الريال اليمني انخفاضًا حاداً في قيمته على مدار سنوات الصراع، بينما ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل كبير، في بلد يعتمد على استيراد ما يقارب 80٪ من احتياجاته الغذائية. تجعل هذه المشاكل الاقتصادية اقتراض المال لبدء مشروع تجاري أمرًا بالغ الصعوبة، بل قد يكون مستحيلًا بالنسبة لرواد الأعمال في الريف، حيث يواجهون بيئة أكثر تحديًا.

نعمان يساعد ابنته في واجباتها المدرسية داخل منزلهم

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن / 2023

معاناة الريف اليمني

يُواجه الريف اليمني، حيث يعيش ما يقارب 61% من سكّان البلاد وفقًا لبيانات البنك الدولي، صراعًا مستمراَ ضدّ تبعات النزاع المستمر وتداعيات تغيّر المناخ المتزايدة.

نبيل يجلس على صخرة وينظر لجبل السواد في مديرية وصاب العالي، ذمار - اليمن.

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن / 2023

كمثلها من الخدمات، يندر توفر فرص التمويل الأصغر، المُصممة لتقديم قروض صغيرة، تُحدث فرقًا في حياة الأفراد خارج المناطق الحضرية، مما يُعيق المجتمعات الريفية عن بناء شبكات الأمان الضرورية للصمود والازدهار.

هنا تكمن قدرة المشاريع التي يقودها المجتمع على إحداث تأثير كبير. ولذا يسعى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بالتعاون مع شريكه المحلي، الصندوق الاجتماعي للتنمية، وبفضل الدعم المقدم من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي من خلال مشروع تعزيز الحماية الاجتماعية في حالات الطوارئ ومواجهة فيروس كورونا في اليمن، إلى سدّ الفجوة في خيارات التمويل المتاحة للمجتمعات المحلية، من خلال العمل على إنشاء جمعيات الادخار والتمويل الريفي.

أعضاء جمعيات الادخار والتمويل الريفي في وصاب العالي، ذمار - اليمن

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن / 2023

أعضاء جمعيات الادخار والتمويل الريفي في وصاب العالي، ذمار - اليمن

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن / 2023

بناء روح ريادة الأعمال

 انتصار قرعة (35 عاماً)، هي عضو في جمعية الترقية للادخار والتمويل الريفي، حيث تدربت على الخياطة، وهي الهواية التي كانت شغوفة بها منذ طفولتها، وطورت مهارتها بها لتصل إلى مستوى احترافي. تُشارك انتصار التحديات التي واجهتها أسرتها، بدءًا من عمل زوجها غير المنتظم، وصولًا إلى "العبء المزدوج للصراع وارتفاع الأسعار".

انتصار تقوم بخياطة فستان قبل تلقي التدريب والتمويل.

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن / 2023

يُجسّد نضال الأسر الريفية في اليمن، في ظلّ ويلات الصراع والصعوبات الاقتصادية، واقعًا مشتركًا في مختلف أنحاء البلاد. يروي نعمان قائد، (ميكانيكيّ سيارات سابق يبلغ من العمر 35 عامًا، وأب لسبعة أطفال)، معاناته في العثور على عملاء قادرين على دفع أجوره، مُسلّطًا الضوء على التأثيرات غير المباشرة لتفشي الفقر على نطاق واسع.

ويوضح نعمان قائلاً: "تراجع العمل بشكل ملحوظ. وحتى عندما أعثر على فرصة عمل، لا يتمكن الناس من دفع أجوري لأنهم يعانون بدورهم من ضائقة مالية." ويضيف أن هذا الأمر زاد من صعوبة إعالة أسرته.

نعمان أثناء عمله كميكانيكي سيارات.

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن / 2023

تحويل الشغف إلى عمل مدر للدخل

 تعد قصتا انتصار ونعمان مثالاً للعديد من اليمنيين الريفيين في محافظة ذمار، الذين استفادوا من جمعيات الادخار والتمويل الريفي.

فبفضل برنامج الادخار والتمويل الريفي، حصلت انتصار على قرضٍ بقيمة 200,000 ريال يمني (حوالي 377 دولارًا أمريكيًا) لبدء مشروعها الخاص في مجال الخياطة. ووفّر لها هذا الاستثمار الهام شراء ماكينة خياطة وأدوات وخامات، مُمكنًا إيّاها من تحويل شغفها إلى عملٍ ناجحِ ومُدر للدخل. وتقول انتصار: "لقد تحسّنت ظروفنا المعيشية بشكلٍ ملحوظ، ومع هذا الدخل الثابت، أصبح بإمكاني أنا وزوجي توفير المزيد من الغذاء والاحتياجات الأساسية لعائلتنا. قد لا يكون عمل زوجي مُستقرًا، لكن بفضل عملي في الخياطة، أستطيع المساهمة في رفاهية عائلتنا، وسنبني معًا مستقبلًا أكثر إشراقًا".

تعمل انتصارفي الخياطة، وتكسب المال من بيع الفساتين التي تخيطها في منزلها بعد تلقي التدريب والتمويل من جمعية الادخار والتمويل الريفي التي تنتمي لها

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن / 2023

التمويل الأصغر المجتمعي ذاتي الإدارة

يشرح عادل سفيان، مستشار الصندوق الاجتماعي للتنمية، المفهوم الأساسي وراء مجموعات الادخار والتمويل الريفي قائلاً: "هدفنا هو إحياء روح التعاون والترابط داخل المجتمعات، ونحقق ذلك من خلال تشكيل مجموعات صغيرة- وتكون مجموعات منفصلة للرجال وأخرى للنساء- حيث تُمكن هذ المجموعات الأعضاء من الادّخار بانتظام، وتصبح هذه المدخرات الجماعية بمثابة صندوق تمويل يمكن للأعضاء الاقتراض منه لبدء مشاريع صغيرة تعود بالنفع على أصحابها وقراهم على حدٍّ سواء".

تصويت أعضاء جمعية الادخار والتمويل الريفي.

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن / 2023

لا يقتصر هدف مجموعات الادخار والتمويل الريفي على إطلاق مشاريع جديدة فحسب، بل تسعى أيضًا إلى ضمان استدامتها. وتحدد كل جمعية حدًا أدنى لمبلغ الادخار الشهري للأعضاء، ويتم جمع هذه المدخرات خلال الأشهر الستة الأولى، ولا يُسمح لأي عضو خلال هذه الفترة بتقديم طلب للحصول على تمويل. بعد ذلك، يُمكن للأعضاء تقديم مقترحات مشاريعهم، وتُجري الجمعية دراسة جدوى لتقييم جدوى المشاريع ومدى ربحيتها. وإذا استوفت المشاريع معايير التمويل، تُعرض مقترحات المشاريع للتصويت خلال الاجتماع الشهري للجمعية. وفي حال الموافقة على تمويل أحد المشاريع، يحصل العضو على قرض يتجاوز مبلغ ادخاره، مع جدول سداد متفق عليه من قبل جميع الأعضاء.

تستلم إحدى العضوات المشاركات التمويل من جمعية الادخار والتمويل الريفي الخاصة بها لبدء مشروعها الخاص

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن / 2023

التماسك المجتمعي

يُجسّد هذا النظام الذي يقوده المجتمع نهجًا يدفع لتعزيز التماسك الاجتماعي وبناء السلام، من خلال تقريب أفراد المجتمع وتشجيعهم على العمل معًا، لتحقيق أهداف مشتركة تعود بالنفع على الجميع. كما تُخفف من أثر التحديات المجتمعية (مثل انعدام الأمن الغذائي)، وتُعزّز قدرة المجتمع على الصمود في مواجهة التحديات. كما يُتيح هذا النظام للأعضاء ومجتمعاتهم الأدوات اللازمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي بشكل متزايد. ويُولي هذا النهج اهتمامًا خاصًا بالمجموعات النسائية، حيث تُقدم جمعيات الادخار والتمويل الريفي فرصًا للمجموعات النسائية الريفية اليمنية غير الممثلة تمثيلا كافياً.

تقوم رئيسة مجموعة الادخار والتمويل الريفي بالتحقق من مدخرات العضوات.

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن / 2023

ويضيف عادل: "يحدد أعضاء مجموعات الادخار والتمويل الريفي المجالات التي يمكن للمشاريع الصغيرة أن تفيد بها الأفراد ومجتمعاتهم". وتشمل الخيارات الشائعة: الخياطة، وتربية النحل، وتركيب منظومات الطاقة الشمسية، وتربية الماشية، وحياكة المعاوز.

أصبح عارف مسعود (37 عامًا)، وهو أحد أعضاء جمعية القمة للادخار والتمويل الريفي، حائك معاوز ماهراً، بعد أن تلقى التدريب اللازم على هذه الحرفة التقليدية، ويبتسم الآن بفخر حين يتحدث عن فرحته بمشاركة إبداعاته مع أصدقائه. ويوضح قائلاً: "للترويج لمشروعي، لجأت إلى أصدقائي، فهي طريقة رائعة للتسويق له". ويضيف: "في المستقبل، أخطط لبيع المعاوز الخاصة بي مباشرة للأشخاص الذين أعرفهم، حيث يمكنني الحصول على أسعار أفضل من السوق بهذه الطريقة".

بعد تلقيه التدريب المهني، والحصول على تمويل من جمعية الادخار والتمويل الريفي التي ينتمي إليها، يقوم عارف بحياكة وبيع المعاوز التي ينتجها

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن / 2023

لايقتصر دور مجموعات الادخار والتمويل الريفي على تدريب الأفراد وتمكينهم من إطلاق مشاريع جديدة، بل تتعدى ذلك لتوفير فرص توسيع وتحديث مشاريع أصحاب الحرف التقليدية. و257267تُعدّ تربية النحل نموذجًا آخر للحفاظ على تقليد يمني عريق.

منذ سنوات عديدة، يمارس نبيل القرداي، البالغ من العمر 43 عامًا، وهو أب لستة أطفال، مهنة تربية النحل، مُنتجًا العسل الذي تشتهر به اليمن. ورغم خبرته، لا يزال يجد فائدة كبيرة في كونه عضوًا في جمعية الأمل للادخار والتمويل الريفي. ويوضح قائلاً: "كان التدريب الذي تلقيته مفيدًا للغاية، حيث تعلمت ممارسات جديدة في تربية النحل، مثل صنع علف النحل لاستخدامه في الشتاء، واستخدام العلاجات الطبيعية للحفاظ على صحة النحل". وبعد استثماره للتمويل الذي حصل عليه في شراء المزيد من خلايا النحل، يقول نبيل إن إنتاجه من العسل زاد بنسبة 30%.

ويؤكد نعمان (عضو في جمعية ادخار وتمويل ريفيّ) على أنّ تعلّمه تركيب وصيانة معدات الطاقة الشمسية، بفضل التدريب الذي تلقّاه، قد وفّر له مصدر دخل مُستقرًّا مكّنه من إعالة أسرته، كما ساهم في جلب فوائد مُستدامة لمجتمعه.

يقول نعمان: "إن المشاركة في المجموعة يشبه فتح حساب مصرفي، حيث توفر المدخرات المتراكمة الأمان المالي لعائلتي".

وفي قرية ريفية محرومة من إمدادات الكهرباء العامة، تُتيح مهنته إمكانية الوصول إلى خدمة أساسية وحيوية. ويوضح قائلاً: "في الماضي، كان على الناس جلب مهندسين من مناطق أخرى لتركيب أنظمة الطاقة الشمسية، وكان ذلك مكلفًا ومزعجًا. أما الآن، فأنا أقدم لأبناء قريتي خدمات عالية الجودة هنا في قريتنا".

تُساهم جمعيات الادخار والتمويل الريفي- إلى جانب توليد الدخل- في دعم المشاريع الصغيرة، لتزويد المجتمعات الريفية بالسلع والخدمات المحلية التي تلبي احتياجاتها بأسعار مناسبة. كما تُعدّ فعّالة في تعزيز الأمن الغذائي والحد من الفقر، وتُساعد اليمنيين في المناطق الريفية على عيش حياة كريمة، وتعزيز قدرة المجتمع على الصمود.

نعمان أثناء عملها و قضاء الوقت مع أطفاله الصغار

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن / 2023

أطفال يلعبون في وصاب العالي، ذمار - اليمن.

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن / 2023

****

يدعم مشروع تعزيز الحماية الاجتماعية في حالات الطوارئ ومواجهة فيروس كورونا في اليمن حزم من التدخلات الجغرافية، والتي تشمل التحويلات النقدية المراعية للتغذية وبرامج العمالة المؤقتة، بينما يحسن الوصول إلى سبل العيش المستدامة والخدمات الأساسية والفرص الاقتصادية للمناطق المتأثرة بالجوع وسوء التغذية والآثار السلبية المتعلقة بتغير المناخ. يتماشى هذا المشروع مع نهج البنك الدولي لتحسين الأمن الغذائي لليمنيين.

بتمويل ودعم من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي، يتم تنفيذ مشروع تعزيز الحماية الاجتماعية في حالات الطوارئ ومواجهة فيروس كورونا في اليمن بقيمة 232.9 مليون دولار أمريكي من قبل الصندوق الاجتماعي للتنمية، ومشروع الأشغال العامة، ووكالة تنمية المُنشــآت الصغيرة والأصغر بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن.