حياة مضطربة

في الرابعة والعشرين من عمرها فقط، عاشت ليلى نجيم مصاعب أكثر مما قد يختبره معظم الناس في حياتهم. لم تكن تتخيل قط، وهي فتاة صغيرة تعيش في منزل مستقر ومحب في بيجي بمحافظة صلاح الدين، أن الحرب ستمزق عالمها.
عندما اجتاح تنظيم داعش بلدتها، اختفت الحياة التي كانت تعرفها بين عشية وضحاها. وتبع ذلك النزوح، مما أجبرها على ترك طفولتها وتعليمها وأمن منزلها.
بعد أن لجأت إلى مخيم الهول في سوريا، ثم مخيم الجدعة في العراق، واجهت ليلى سنوات من المشقة والخوف وعدم اليقين. كانت لا تزال في سن المراهقة عندما قادتها الظروف إلى الزواج المبكر، وهو القرار الذي كان من المفترض أن يحميها ولكنه لم يجلب لها سوى المزيد من المعاناة. وبدلاً من العثور على الأمان، تحملت سوء المعاملة والعزلة واليأس المرير.
في الوقت الذي عادت فيه أخيراً إلى منزلها في عام 2018، كانت المدينة التي عرفتها ذات يوم قد تغيرت، وتغيرت هي أيضاً. لم يكن هناك دعم في انتظارها - لا مساعدات حكومية، ولا منظمات غير حكومية لمساعدتها في إعادة البناء.
كان عليها أن تبدأ من جديد، لكن لم يكن لديها أي فكرة عن كيفية القيام بذلك.
بداية جديدة من خلال برنامج مشروع "الطريق إلى الوطن: المصالحة المجتمعية وإعادة دمج العراقيين العائدين من مخيم الهول في سوريا"

عندما خشيت ليلى أن يتم نسيانها، حصلت على الدعم من برنامج "الطريق إلى الوطن" الذي نفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق بالشراكة مع منظمة الرؤية العالمية. كانت هذه أول مبادرة تقدم يد العون حقًا، حيث لم تقدم لها طريقة للبقاء على قيد الحياة فحسب، بل وطريقة للتعافي والنمو واستعادة السيطرة على حياتها.
ومن خلال أنشطة التدريب المهني والصحة الذهنية والدعم النفسي الاجتماعي التي يقدمها برنامج "الطريق إلى الوطن: المصالحة المجتمعية وإعادة دمج العراقيين العائدين من شمال شرق سوريا"، وجدت ليلى شيئاً لم تشعر به منذ سنوات - الأمل.
التحقت بدورة للرسم والديكور الداخلي، وتعلمت كيفية مزج الألوان واختيار الزخارف وخلق مساحات جميلة. ومع كل ضربة فرشاة، لم ترسم الجدران فحسب، بل كانت ترسم مستقبلاً جديداً لنفسها. لم يكن الأمر مجرد مهارة؛ بل كان فرصة لكسب لقمة العيش، وإثبات لنفسها وللآخرين أنها قادرة على إعادة البناء.
لكن التحول الحقيقي لم يكن في مهاراتها فحسب، بل كان في عقلها وقلبها.
الشفاء من خلال الدعم والتواصل

لقد أثرت سنوات النزوح والمصاعب على ليلى فأصبحت مثقلة بالتوتر والقلق والشك. وقد أعطتها جلسات الدعم النفسي والاجتماعي، التي قدمتها منظمة الرؤية العالمية كجزء من برنامج مساحة آمنة لمشاركة مخاوفها وصراعاتها.
وللمرة الأولى، تحدثت بصراحة عن آلام ماضيها. وربطتها أنشطة المجموعة بآخرين مروا بتجارب مماثلة، وفجأة، لم تعد وحيدة. وخفت وطأة العزلة عندما كونت صداقات واكتسبت القوة في المجتمع.
تقول ليلى: "الدعم الذي تلقيته غيّرني. أشعر بأنني أخف وزناً وأقوى. ولست خائفة من التحدث، أو الحلم، أو المضي قدماً."
مع مرور الوقت، بدأت ترى نفسها بشكل مختلف. لم تعد مجرد ناجية من الحرب والنزوح، بل أصبحت سيدة أعمال متدربة، وفنانة، وشخصية لها مستقبل تستحق القتال من أجله.
كسر الحواجز وبناء المستقبل
إن مشاركة ليلى في برنامج "الطريق إلى الوطن: المصالحة المجتمعية وإعادة دمج العراقيين العائدين من مخيم الهول في سوريا"لم تغيرها فقط، بل غيرت الطريقة التي تنظر بها أسرتها ومجتمعها إليها.
في البداية، شكك البعض في قدرتها على النجاح. ولكن مع صقلها لمهنتها واكتسابها المزيد من الثقة، بدأت أسرتها في دعم أحلامها. وشجعوها على إكمال دراستها، وهو الأمر الذي لم تكن تعتقد أنه ممكن من قبل.
حتى أن نظرة مجتمعها إلى العائدين من أمثالها بدأت تتغير. فبينما كان الناس يرونهم في الماضي ضحايا للحرب، أصبحوا الآن يرون فيهم القدرة على الصمود والموهبة والإمكانات. وأصبحت ليلى دليلاً على أن إعادة الإدماج ممكنة، وأنه مع الدعم المناسب، يمكن للناس إعادة بناء حياتهم بكرامة.
الحلم بما يتجاوز البقاء
اليوم، لا تقوم ليلى بإعادة البناء فحسب، بل إنها تحلم أيضًا.
هدفها هو فتح مشروع خاص بها للديكور الداخلي، باستخدام مهاراتها المكتسبة حديثًا لدعم نفسها وأسرتها. وهي تسعى لتحقيق حياة مستقرة واستقلال مالي وإبداع.
وتقول بكل إصرار: "أريد أن أستمر في النمو والتعلم. أريد أن أثبت لنفسي أنني أستطيع بناء شيء خاص بي."
وبعيدًا عن طموحاتها الشخصية، تأمل في مستقبل حيث تتاح الفرصة للمزيد من الفتيات مثلها للتعلم والشفاء والازدهار. وهي تحلم بعراق مسالم حيث يحل الأمن والأمل محل النزوح والصعوبات.
شهادة على قوة الدعم

رحلة ليلى ما هي إلا واحدة من بين العديد من الرحلات، ولكنها بمثابة تذكير قوي بما يمكن تحقيقه عندما يُمنح الناس الفرصة.
إن برنامج مشروع "الطريق إلى الوطن: المصالحة المجتمعية وإعادة دمج العراقيين العائدين من مخيم الهول في سوريا"، الذي ينفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق بالشراكة مع منظمة الرؤية العالمية، لا يقدم مجرد التدريب والدعم فحسب، بل إنه يستعيد الكرامة، ويقوم بتمكين الأفراد، وإعادة بناء المجتمعات من الأساس.
بالنسبة إلى ليلى، لم يعلّمها برنامج مشروع "الطريق إلى الوطن: المصالحة المجتمعية وإعادة دمج العراقيين العائدين من مخيم الهول في سوريا"مهارة فقط، بل أعاد إليها مستقبلها أيضاً.
-نهاية-