عندما يصدح القانون لتحقيق العدالة الشاملة للجميع – حوار مع القاضية تغريد عبد المجيد ناصر

10 مارس 2025

 

عندما يصدح القانون لتحقيق العدالة الشاملة للجميع – حوار مع القاضية تغريد عبد المجيد ناصر

في غضون عقدين من الزمن، خطى العراق خطوات حثيثة نحو تعزيز حضور المرأة في سلك القضاء. فبعد أن كان عدد القاضيات لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة في عام 2003، قفز الرقم اليوم ليتجاوز 110 قاضية ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات جمة تعترض مسيرة تحقيق المساواة الكاملة في أروقة المحاكم العراقية. وتبرز السيدات القاضيات كركيزة أساسية لضمان أن تعكس الأحكام القضائية تنوع المجتمع العراقي، وأن تحقق العدالة بشكل شامل ومنصف.

في إطار جهودهٍ الدؤوبة لتقوية النظام القضائي العراقي، يواصل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي التعاون الوثيق مع مجلس القضاء الأعلى، وذلك عبر مبادرات مكافحة الفساد والتحكيم، بتمويل سخي من الاتحاد الأوروبي. وتهدف هذه المبادرات إلى تحديث وتطوير القضاء، ودعم مساعي العراق نحو التحول الديمقراطي. وتعد القاضية تغريد من أبرز الشخصيات التي ساهمت في هذه الإصلاحات، حيث كان لقيادتها وتفانيها دور محوري في إحداث تغيير ملموس داخل المؤسسة القضائية.

بمناسبة اليوم العالمي للقاضيات، أجرينا حواراً مطولاً مع القاضية تغريد عبد المجيد ناصر، تحدثت فيه عن رحلتها الملهمة إلى منصة القضاء، والتحديات التي واجهتها، والإنجازات التي حققتها كامرأة قاضية.

 

حلم الطفولة يتحول إلى رسالة حياة

كيف كانت رحلتك نحو أن تصبحي قاضية؟ وما الذي دفعك لاختيار هذه المهنة؟

منذ نعومة أظفاري، كنت شغوفة بالعدالة، وكان لدي إصرار قوي على إحداث تغيير إيجابي في المجتمع. خلال دراستي في كلية القانون، أدركت أن العدالة ليست مجرد نصوص قانونية، بل هي تطبيق عادل ونزيه للقانون. وقد تعزز هذا الإدراك لدي عندما لمست الحاجة الماسة لزيادة تمثيل المرأة في القضاء.

طوال مسيرتي، استلهمت من نماذج نسائية ملهمة، سواء كن أستاذات جامعيات أو قاضيات رائدات كسرن الحواجز في مجتمعنا. وشعرت بمسؤولية كبيرة، ليس فقط تجاه تطبيق القانون، بل أيضاً تجاه الدفاع عن الفئات المهمشة والضعيفة. لم يكن الطريق مفروشًا بالورود، لكن إيماني العميق بدور القضاء منحني القوة للمضي قدماً.

 

هل تذكرين لحظة معينة في مسيرتك المهنية شعرت فيها بالتأثير الحقيقي لدورك كقاضية؟

لحظات كثيرة أكدت لي أهمية وجود المرأة في القضاء، لكن إحدى اللحظات التي لا تزال عالقة في ذهني هي عندما ترأست قضايا معقدة للغاية، تطلبت تحليلاً عميقاً وإصدار أحكام دقيقة.

عندما أصدرت أحكاماً عادلة مستندة إلى القانون، وشاهدت تأثيرها المباشر في استعادة الحقوق لأصحابها، شعرت بمسؤولية أكبر. كل حكم عادل يمكن أن يغير حياة شخص، وهذا الإدراك هو ما يدفعني للاستمرار في التزامي بالحياد والنزاهة.

 

 

ضرورة زيادة تمثيل المرأة في القضاء

لماذا تعتقدين أن من الضروري زيادة عدد النساء في القضاء؟ وكيف يساهم وجودهن في تحقيق نظام قضائي أكثر عدلاً وإنصافاً؟

وجود المرأة في القضاء ليس مجرد مسألة تمثيل، بل هو ضرورة لتحقيق نظام قضائي متوازن وعادل. فالقاضيات يجلبن معهن وجهات نظر فريدة، نابعة من فهمهن للتحديات التي تواجهها النساء والفئات المهمشة. وهذا يضمن أن تكون الأحكام القضائية أكثر شمولاً وتعكس تنوع المجتمع.

كما أن التنوع في القضاء يعزز ثقة الجمهور في النظام القانوني. فعندما يرى المواطنون أن المحاكم تعكس واقعهم المتنوع، يصبحون أكثر استعداداً للجوء إلى القضاء دون خوف أو تردد. وينطبق هذا بشكل خاص على قضايا حقوق المرأة وقانون الأسرة والعنف ضد المرأة، حيث يشجع وجود القاضيات المزيد من النساء على التقدم بشكواهن.

إن تشجيع المزيد من النساء على دخول القضاء ليس مجرد خطوة نحو المساواة، بل هو خطوة نحو تحقيق العدالة.

 

ما هي التغييرات اللازمة لتحسين تمثيل المرأة في النظام القضائي العراقي؟

يتطلب تحقيق تمثيل أكبر للمرأة في القضاء العراقي جهوداً متضافرة على عدة مستويات. فغالباً ما يُنظر إلى القضاء على أنه مجال يهيمن عليه الذكور. لذلك، يجب أن تسلط حملات التوعية والمناهج التعليمية والمبادرات الإعلامية الضوء على الدور الحيوي الذي تلعبه المرأة في القضاء. كما يجب توفير فرص التدريب القانوني والقيادي للنساء الطامحات لدخول سلك القضاء، لتمكينهن بالمهارات والثقة اللازمة للنجاح. ويمكن لجمعيات مثل جمعية القاضيات العراقيات أن تلعب دوراً محورياً في دعم القاضيات، والدفاع عن حقوقهن، وتوفير فرص الإرشاد والتوجيه.

 

 

هل واجهتِ تحديات في مسيرتك المهنية كامرأة؟ وكيف تعاملت معها؟

مثل العديد من النساء في المجالات التي يهيمن عليها الذكور تقليدياً، واجهت تحديات مختلفة. كانت هناك لحظات تم فيها التشكيك في قدرتي على التعامل مع قضايا معقدة وحساسة، لمجرد أنني امرأة. كما كانت فرص الوصول إلى المناصب القيادية متاحة للرجال بشكل أكبر، غالباً بسبب شبكات العلاقات غير الرسمية أو الأعراف المجتمعية.

لكنني كنت محظوظة بدعم مجلس القضاء الأعلى، الذي لعب دوراً أساسياً في تمكين القاضيات. وقد اخترت أن أجعل عملي يتحدث عني، بالتركيز على المهنية والتفاني وجودة الأحكام التي أصدرها.

كما وجدت القوة في التضامن مع زميلاتي القاضيات، حيث دعمنا بعضنا البعض، وتبادلنا الخبرات، وشجعنا بعضنا البعض على المثابرة. وبمرور الوقت، ساهمت هذه الجهود الجماعية في تغيير الصورة النمطية وتمهيد الطريق لمزيد من النساء للوصول إلى مناصب قيادية في القضاء.

لم يكن التوفيق بين المسؤوليات المهنية والشخصية أمراً سهلاً، لكنني تمكنت من تحقيق التوازن بفضل مهارات التنظيم الجيدة، ودعم عائلتي، ومجموعة من الزملاء الداعمين.

كل تحد واجهته كان بمثابة اختبار شخصي، وخطوة نحو فتح الأبواب لأجيال المستقبل من القاضيات. واليوم، أفتخر بتوجيه ودعم الشابات اللاتي يدخلن المجال القانوني، لضمان قدرتهن على تجاوز العقبات وتحقيق تأثير دائم.

 

ما هي الرسالة التي تودين توجيهها إلى الشابات والفتيات اللاتي يحلمن بدخول مجال القانون والقضاء؟

إلى كل شابة تحلم بدخول المجال القانوني والقضائي: ثقن بأنفسكن وقدراتكن. لا تدعن العقبات أو الأعراف المجتمعية تثنيكن عن تحقيق أحلامكن.

قد يكون الطريق صعباً خصوصاً في المجتمعات التي لا يزال فيها القضاء مجالاً يهيمن عليه الذكور. لكن معرفتكن وتفانيكن يمكن أن يكسرا أي حاجز. أحطن أنفسكن بمرشدين، وابحثن عن فرص للنمو، ولا تخفن أبدًا من المطالبة بحقوقكن.

تذكرن دائماً أن القانون موجود لحمايتكن، ووجودكن في مجال العدالة هو خطوة نحو بناء مجتمع أكثر عدلاً ومساواة للجميع.