"أبلغ من العمر 40 سنة وأنا أب لتسعة أطفال، ولقد قضيت وقتا طويلا أعيش في ظروف بائسة - مع الطرق الوعرة والخدمات الصحية الضعيفة ومياه الشرب الشحيحة. ومن الأمور الصعبة عليا التي شهدتها مرارا وتكرارا هي رؤيتي للنساء الحوامل اللاتي كن يهرولن لاستعارة واحدة من ثلاث سيارات في قريتي، أو أن يضطررن للسفر على ظهور الحمير أو على توابيت الموتى في محاولة منهن للوصول إلى الطبيب في الوقت المناسب لولادة طفلهن الجديد." - شفيقة الصلاحي
استعادة حياة جديدة للعالم على متن نعش الموتى
كانت قد تسببت الطرق الوعرة في دار المرير بمشاق كبيرة على القرية برمتها. وحيث وأنها ارض خصبة للأمراض وموطن حفر ناجمة عن الفيضانات، فإن الطريق لا تكون سالكة وتكون سببا وراء حوادث مأساوية وأدت إلى خسائر كبيرة في الأرواح. ولم يكن لدى الأهالي أية خيار لسنوات عديدة غير نقل المواد الغذائية والاساسية على ظهور الحمير وعلى ظهورهم أو على الدراجات النارية - للمحظوظين القلائل منهم.
وكان السكان يضطرون لحمل افراد اسرهم والنساء الحوامل الذين واللاتي هن وهم بحاجة للرعاية الطبية على توابيت الموتى، تذكارا بمسيرة الموت بدلا من بداية حياة جديدة. والامر المأساوي، هو ان الكثير من الناس لقوا حتفهم في رحلتهم الشاقة إلى المستشفى، وذلك لأن الانتقال لبضعة كيلو مترات يمكن أن يستغرق ساعات.
بعد التورط في حرب أهلية طويلة لمدة 5 سنوات، والوقوع في براثن كوفيد - 19 COVID-19 في الوقت الراهن، فقد اصبحت الحياة أكثر صعوبة في المجتمعات الريفية في اليمن عندما تقيد الطرق الوعرة الوصول إلى الخدمات الحيوية والموارد والتعليم وفرص العمل والإمدادات الغذائية.
وبسبب انقطاع المرتبات ومواسم الزراعة القصيرة والتحديدات في التنقل إلى المجتمعات المحلية المجاورة، اضطر بعض السكان من دار المرير إلى استبعاد الفواكه والخضروات من وجباتهم اليومية تماما.
ولحسن الحظ، فلقد تم اعادة رصف جزء كبير من طريق القرية - المناطق الأشد وعورة فيها - في هذا العام ويعود الفضل إلى الدعم المقدم من صندوق الاغاثة التابع لمركز الملك سلمان للإغاثة والاعمال الانسانية (KSRelief) بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، والذي يتم تنفيذه من قبل مشروع الأشغال العامة.
ولإبراز الأثر الناتج عن رصف الطريق، توضح شفيقة الصلاحي قائلة: "اصبح كل جانب من جوانب حياتنا الذي كان يتطلب النقل اسهل بنسبة 70%، وخاصة في مساعدة المرضى في الحصول على الرعاية العاجلة المطلوبة. كما تم تخفيف التحديات التي تواجهنا، فإصباحنا ايضا اقل قلقا، وحتى أن بدأنا نستمتع بوقت فراغنا دون الحاجة إلى القلق إزاء ما سنفعله في حالة الطوارئ."
ومع ذلك، ما يزال المجتمع المحلي يواجه تحديات إضافية، لأنه لم يتم الانتهاء من كل اعمال الطريق. وفي بعض الايام، يمكن أن يصل الوقت المطلوب للحصول على مياه صالحة للشرب إلى ثمان ساعات مشيا على الاقدام.
ووفقا لوزارة الاشغال العامة والطرق فإن ربع الاسر الريفية يعيشون على بعد 2 كيلو متر من الطرق المعبدة الصالحة في جميع الاحوال الجوية. وما يثير القلق هو أن 36,000 كيلو متر من الطرق في اليمن معدة من التراب والطين ومصممة بشكل سيء وخاضعة للصيانة. وكان هذا الامر قد حد بشدة من فرص نمو وتطور المجتمعات الريفية في البلاد، التي تأوي 63٪ من سكانها ، ناهيك عن تقويض سلامة واستنزاف مدخرات السكان الذين يتحتم عليهم استخدام جزء كبير من دخلهم المتواضع للنقل والتنقل.
ويمثل تحسين البنية التحتية الرابطة القدرة على خلق فرص عمل وزيادة إمكانية الوصول إلى الخدمات ويعزز التكامل الاجتماعي والاقتصادي في المجتمعات الريفية. ويعد توفير فرص وصول الافضل، استراتيجية رئيسية في التخفيف من المعاناة والحد من الفقر ويوفر فرص عمل اشد إلحاحا لسكان المناطق الريفية في اليمن.
البحث عن المياه: قصة معمر
يعيل معمر يعقوب البالغ من العمر خمسة واربعون عاما زوجته وأطفاله الأربعة في قرية القلعة، وبقدر ما يعود بذاكرته، فإن أهالي قريته كانوا يخرجون قبل شروق الشمس للتنقل بين الطرق الوعرة فقط للوصول إلى نبع مياه صغير يبعد عنهم 5 كيلومترات.
وبعد جلب المياه في أواني بلاستيكية أو صفائح لنقل المياه، فإنهم يقومون بنقلها على ظهور الحمير أو على رؤوس النساء والأطفال. ولم تكن هذه العملية تستغرق وقتا طويلا فحسب، بل أنها كانت محفوفة بالمخاطر ايضا؛ كما أنها تنطوي على مواجهة الحيوانات المفترسة والتنقل بين الطرق الوعرة التي أدت إلى السقوط أو حتى الموت في بعض الأحيان.
وعلى الرغم من أن الخيار أمام القرويين كان يكمن في الحصول على امدادات المياه، بلغت تكلفة الوايت الماء (شاحنة نقل المياه) 20,000 ريال يمني (ما يعادل 35$) وهو ما يكفي لمدة اسبوعين فقط. وليس من المستغرب، أن بعض افراد المجتمع اضطروا إلى حصاد مياه الامطار التي كانت تتلوث في نهاية المطاف جراء انعدام طرق التخزين السليمة والفلاتر (المرشحات).
وكانوا يعانون بعد شرب المياه الملوثة من البلهارسيا والأميبا والإسهال وحصى الكلى. ووصل الأمر بالأهالي حد الخوف من غسل ملابسهم وتنظيف منازلهم والعناية بمزارعهم ومواشيهم أو أخذ حمام بسبب شحة المياه والمجهود المبذول في الحصول عليها.
وهذه الظروف البائسة هي ظروف منتشرة للغاية في جميع أنحاء البلاد. وفقط ثلث سكان اليمن البالغ 30 مليون نسمة لديهم شبكة مياه بالأنابيب، بينما 18 مليون منهم في حاجة ماسة إلى مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي لبقائهم على قيد الحياة. وفي ضوء هذه الخلفية الصارخة للجائحة العالمية، فإنه من الضرورة بمكان تحسين خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في المجتمعات المحلية والمرافق الصحية لضمان تقديم رعاية ذات جودة عالية وتقليل مخاطر العدوى للمرضى واسرهم والاخصائيين الصحيين.
قوة الشراكات
خفف تنفيذ مشروع خزان تجميع المياه - الممول من صندوق الاغاثة التابع لمركز الملك سلمان للإغاثة والاعمال الانسانية بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) وتنفيذ مشروع الأشغال العامة - من معاناة المجتمع المحلي.
وكما يقول معمر: "منذ حصولنا على خزان حصاد المياه، قلت معاناة الناس بنسبة 50%، واستفاد أكثر من 120 اسرة من المشروع، وعندما تمتلئ الخزانات، فإنها تكفي لمدة 6 أشهر."
وتمكن أفراد المجتمع في الوقت الراهن من توفير المبالغ لشراء مواد اساسية أخرى بما في ذلك مستلزمات التعليم والرعاية الصحية. وتمكن الأطفال من الذهاب إلى مدارسهم لأنه لم يعد من الواجب عليهم قضاء ايامهم بحثا عن الماء ولم يعد من الواجب على النساء المخاطرة بسلامتهن عبر التنقل في التضاريس والطرق الوعرة.
وكان للمشروع أثر كبير على وضع حد للأمراض التي تسببها المياه الملوثة، مما أدى التي تحسين الظروف المعيشية ونوعية الحياة في المجتمع المحلي برمته.
وكان قد ساهم التمويل المقدم من المملكة العربية لمشروع الاستجابة للازمة الطارئة في اليمن في جهود الاستجابة للمجاعة الحاصلة. ويعود الفضل إلى المنحة المقدمة من المملكة العربية السعودية، مع نهاية مايو 2020 حيث استفاد ما يقرب من 6,350 شخص بصورة مباشرة من فرض الاعمال العامة قصيرة الأجل المدفوعة الأجر في 63 مشروع فرعي، و التي تغطي حماية الأراضي الزراعية وتأهيل الطرق وحصاد المياه وامداداتها. ويعود الفضل إلى الدخل الذي تم ادراره حيث كانوا قادرين على تلبية احتياجاتهم المنزلية الاساسية على نحو افضل في جوانب مثل المواد الغذائية والدواء والكساء والمأوى والتعليم والنقل. وعلاوة على ذلك، يستفيد أكثر من 231,100 من أفراد المجتمع المحلي من اعادة تأهيل البنية التحتية الاساسية مثل تأهيل الطرق والمياه الصالحة للشرب - والتي تعد ذات اهمية لرفاهية المجتمعات المحلية وتخدم كإجراء وقائي رئيسي لمنع انتشار الكوليرا وكوفيد - 19.