في قرية صغيرة تُدعى نجد كربن بمديرية المقاطرة في محافظة لحج، تُحدث عيادة بسيطة فرقًا كبيرًا في حياة السكان. تدير هذه العيادة سمية، وهي أم تبلغ من العمر 26 عامًا ومقدمة رعاية صحية مدربة، تكرّس وقتها وجهدها يوميًا لتغيير حياة الناس من حولها بالرعاية والاهتمام.
لم يكن طريق سمية سهلاً. فرغم مؤهلاتها الأكاديمية، واجهت صعوبة في إيجاد عمل مستقر. تطوعت في عدد من المرافق الصحية المحلية، وظل حلمها بامتلاك عيادة خاصة يراودها، لكنها كانت تفتقر إلى الموارد الأساسية التي تمكّنها من تحقيق ذلك.

بفضل الدعم الذي تلقّته من خلال برنامج الصمود الريفي 3 (ERRY III) المشترك، أصبحت سمية تقدّم اليوم مجموعة واسعة من العلاجات الطبية الأساسية. مديرية المقطرة، محافظة لحج.
تقول سمية: "لطالما حلمت بامتلاك عيادتي الخاصة". وتضيف: "لم يكن الهدف مجرد كسب الرزق، بل رغبت حقًا في مساعدة أهالي قريتي – في تخفيف آلامهم، وتحسين صحتهم، وخدمة المجتمع الذي أنتمي إليه."
أصبح حلم سمية حقيقة بفضل مكوّن سبل العيش ضمن البرنامج المشترك لدعم سبل العيش القادرة على الصمود، والأمن الغذائي، والتكيف مع المناخ (ERRY III) الصمود الريفي 3 – وهو مبادرة متعددة الوكالات يقودها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، ويموّلها الاتحاد الأوروبي وحكومة السويد.
تلقت سمية تدريبًا شاملًا في مجال ريادة الأعمال، إلى جانب منحة لبدء مشروعها الخاص، مما أتاح لها شراء المستلزمات الطبية الأساسية، وتجهيز مساحة صغيرة، وافتتاح عيادتها رسميًا.
"الدعم الذي تلقيته منحني الدفعة التي كنت بحاجة إليها"، تقول سمية. "بفضل المنحة، استطعت شراء الأدوات والأدوية وافتتاح عيادتي. اليوم، لدي مصدر دخل أعيل به طفلي، وأقدّم خدمات صحية لأبناء مجتمعي."
تحوّلت عيادة سمية في وقت قصير إلى جزء أساسي من النظام الصحي في القرية، حيث توفر خدمات مهمة مثل الإسعافات الأولية، والرعاية الصحية للأمهات، وعلاج الأمراض المزمنة، إلى جانب خدمات بسيطة مثل ثقب الأذن للأطفال. وفي منطقة نائية تبعد فيها أقرب منشأة صحية ساعات من الطريق، أصبحت عيادتها نقطة رعاية محورية للسكان.

توثّق سمية معلومات المرضى أثناء الاستشارات، في إطار حرصها على تسجيل بيانات طبية دقيقة وتحسين جودة خدمات الرعاية الصحية المقدمة للعائلات في المجتمع المحلي. مديرية المقطرة، محافظة لحج
توضح سمية: "في السابق، كان على الناس أن يسافروا لمسافات طويلة حتى من أجل أبسط العلاجات". وتضيف: "اليوم، يأتون إليّ مباشرة، وأشعر بالفخر لكوني متواجدة هنا لخدمتهم".
وتؤكد شجون، وهي إحدى أفراد المجتمع المحلي، أهمية العيادة بالنسبة للأهالي: "عيادة سمية كانت عونًا كبيرًا لنا. فهي تقدّم خدمات رعاية صحية أساسية وعاجلة مثل الاستشارات، الأدوية، والإسعافات الأولية، مما وفر علينا عناء السفر إلى مرافق صحية بعيدة".
لا يقتصر التزام سمية على تقديم الرعاية الصحية فقط، بل يتجلى أيضًا في حرصها على جودة الخدمة، من خلال تنظيم صيدليتها، وتعقيم الأدوات الطبية، وتوثيق بيانات المرضى بدقة.
تقول سمية: "هذه العيادة ليست مجرد وظيفة بالنسبة لي، إنها شغفي". كما تقول: "في كل مرة أساعد فيها أحدًا، أشعر أنني أحقق الحلم الذي لطالما راودني."
رحلة سمية لم تتوقف عند الرعاية اليومية. فقد حصلت على دبلوم في تكنولوجيا الموجات فوق الصوتية، وتطمح الآن إلى اقتناء جهاز سونار، وهو جهاز تفتقر إليه المنطقة بشكل كامل.
تشرح سمية قائلة: "لا يوجد أي جهاز سونار في هذه المنطقة، مما يجبر النساء على السفر لمسافات طويلة، وأحيانًا وهنّ في حالات حرجة أو في مراحل متأخرة من الحمل". وتضيف: "لقد درست وتدربت على استخدام الجهاز، والآن كل ما أحتاجه هو المعدات لأقدم هذه الخدمة لأهلي."
أما رؤيتها على المدى البعيد، فتشمل افتتاح مختبر تشخيصي صغير وتوسيع مخزون العيادة من الأدوية لتغطية احتياجات أكبر، إلا أن ارتفاع تكلفة الإمدادات الطبية يبقى عائقًا أمام تحقيق ذلك.
"أبذل كل ما بوسعي ضمن إمكانياتي. الأسعار مرتفعة، لكنني لن أتوقف. مجتمعي يستحق رعاية صحية أفضل."

تفحص سمية أحد الأطفال المرضى، مقدّمة الرعاية الطبية التي تشتد الحاجة إليها لأطفال مجتمعها المحلي مديرية المقطرة، محافظة لحج.
يساهم برنامج الصمود الريفي 3 (ERRY III) ، الذي ينفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO)، ومنظمة العمل الدولية (ILO)، وبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، بالتعاون مع شركاء وطنيين، في دعم المجتمعات المتضررة من الأزمات في اليمن من خلال بناء القدرة على الصمود، وخلق سبل عيش مستدامة، وتمكين المرأة، وتحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية.
ومع اقتراب يوم الصحة العالمي 2025، نحتفي بسُمية وبآلاف النساء الملهمات في جميع أنحاء اليمن اللواتي لا يكتفين بتحقيق تطلعاتهن المهنية، بل يسهمن أيضًا في بناء مجتمعات أكثر صحة ومرونة من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة.