جائلات في شوارع مشغرة ... في الكرنتينا

22 سبتمبر 2020

--- Image caption ---

تجلن الشوارع باحثات عن أمل أو عن فتات قد خلفته الحياة ...

هاربات من واقعٍ بات مؤلماً أكثر مما يصفه البالغون ... تلملمن ما تركت لهن الأيّام من رفاقٍ وأصدقاء

سمعن يومًا أنّ بالوحدة قوّة ... فقرّرن ترك الوحدة في منازلهن وتجميع قوتهن في الشارع ... باحثات عن غدٍ  

ريم وأميرة ودانا وفاطمة وليا ... فتياتٌ يعيشن في حيّ مشغرة أو ما بقي منه في منطقة الكرنتينا

قد يقول البعض أنّهنّ مراهقات ... في زمن لم يترك للمراهقة دور

مدارسهنّ تحطّمت في الأشرفيّة ... ووصلت إليهنّ صور دمار شاملٍ لمقاعد كن يشغلنها حتى وقت قريب ...

ضاعت بعده أيّام دراستهنّ ما بين وباء كورونا والأزمات المتعددة التي تمر بها البلاد

أميرة باتت بلا منزل ... وعندما تسأل عن الأمر تقول: "بيتنا انشقّ من وسطه ... ولم يعد مؤهلاً لإيوائي وعائلتي ... فبات لي الشارع منزلًا ... حتَى الجيران لا يستطيعون مدّ يد العون فهم بالكاد لديهم ما تبقى من سقف يظلل عائلاتهم".

عندما سئلن عمّا حدث في الرابع من آب ... نسين ما لحق بهنّ من أضرارٍ جسديّة وصدمات ... وردت بهم الذاكرة الى أوجاع أقارب وأصحاب ... " بنت عمّي راح وجها... حتّى اللي خَلَّص كلّو دمّ"

التقى فريق عمل برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي في لبنان بريم وأميرة ودانا وفاطمة وليا خلال زيارة ميدانية لمنطقة الكرنتينا من أجل تحديد الأشخاص المستضعفين والأكثر عرضة للتهميش ما بعد انفجار بيروت

منطقة الكرنتينا تعتبر من المناطق الأكثر تهميشاً في بيروت إذ تأوي مئات العائلات اللبنانية وغير اللبنانية ... يعيش كثير منها تحت خط الفقر ...

وكانت واحدة من المناطق التي تكبدت أضراراً جسيمة إثر الانفجار حيث أنها لا تبعد عن المرفأ سوى كيلومترات قليلة

"كانت يومها زفّة أختي" ... تتذكر ريم في حسرة تزاوج بين رجاء في بداية لحياة جديدة وحادثة بعثرت كل طمأنينة وأمل في الغد

عن ذاك الغد وإمكانية إعادة بناء ما تهدّم، قلن "العالم بتظبتلنا البيت... مش أهلنا ... الأهل عاجزون!"

كما أن تأمين المعيشة أصبح عملاً جبّارًا وكأن العيش ذاته أصبح من الكماليّات

صحيح أنّهنّ من أبطال الرابع من آب كونهنّ ما زلن على قيد الحياة

ولكن "شبح الانفجار" ما زال يحلّق في سماء حياتهنّ ورجع أصداء الخوف والرعب يصم آذانهن ويشل أفكارهنّ

من قال إن الغد يومٌ أفضل؟

فبحسب قولهنّ "غدنا لا يحمل سوى توقع لأزمات وانفجارات نخاف منها ... حتى أن معظم جيراننا هربوا من انفجار الغد ... فروا إلى أماكن لم يألفوها من قبل" ... الواقع أصبح خطراً والمجهول صار أكثر أمانًا ... "حاولنا الهرب مع أهلنا ... ولكن إلى أين؟"

 ضاعت صرخة ريم إذ صدح صوت فيروز تنادي من البقاع إلى الكرنتينا "يا قمر مشغرة... إنشا الله القمر يبقى مضو ... وقمر لا يطال عزو حدا"

يسعى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى الاستجابة لتداعيات انفجار مرفأ بيروت داعياً المعنيين بوضع خطط التعافي أن تكون خططهم شاملة للكافة، وخاصة أولئك الأكثر ضعفاً – تضمن حقوقهم وتلبي لاحتياجاتهم.

وعكف تقرير للبرنامج بعنوان "حتى لا يتخلف أحد في الوراء: نحو عملية شاملة للكافة وعادلة للتعافي في بيروت ما بعد الانفجار" على تحديد الفئات المجتمعية التي تتقاطع لديها أوجه متعددة من مواطن الضعف تؤهلها لمعاناة أكثر من غيرها في المرحلة المقبلة

وخلص التقرير إلى سبع توصيات أساسية يمكنها ... إن نفذت ... أن تضمن استجابة لتداعيات الانفجار تتسم بالشمول والعدل ... ينأى بها عن أخطاء ارتكبت خلال استجابات لأزمات سبقت في ماض ليس ببعيد

ويوصي التقرير بضرورة أن تشمل الاستجابة لبنان بأكمله ... في ظل أزمات متعاقبة تكالبت على البلاد حتى أفقرت ما يقارب الملايين الثلاث من سكانه ... إذ يعيش اليوم أكثر من نصف من الشعب اللبناني في حالة فقر ... تآكلت معها قدرة الكثيرين منهم على التعافي من الظروف الصعبة وجعلتهم عرضة لهشاشة متزايدة

 لذلك يؤكد التقرير على ضرورة تحديد الأطر المؤسّسيّة التي أنتجت عبر فتراتٍ طويلة أوجه الضّعف وعدم المساواة ... والتي لطالما أدت للتهميش وكانت سبباً أساسياً لإضعاف فئات مجتمعية عدة منها ... النساء واللاجئين وذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين ... وغيرهم كثيرون