توزيع السلع الأساسية لرفع الروح المعنوية لمواطني سهل نينوى
ايقاد شمعة، بدلاً من لعن الظلام: التعاون بين الأديان لمحاربة جائحة كورونا
8 يوليو 2020
"على الرغم من بساطة محتويات سلال الغذاء لكنها تحمل في طياتها معانٍ كثيرة" يقول الشيخ احمد امجد، وهو أحد زعماء الدين في ناحية بعشيقة، حيث يوضح قائلاً: "تسبب تنظيم داعش بوضع حاجز بيننا وبين الاديان الاخرى، لكن عندما تعاوننا لتوزيع المواد الغذائية على المحتاجين، بصرف النظر عن ديانتهم، بدأ هذا الحاجز يزول تدريجياً."
اجتمع 25 زعيماً دينياً من مختلف أنحاء مناطق سهل نينوى الشهر الماضي، لتوزيع المواد الغذائية الأساسية ومنتجات التنظيف والعناية الشخصية للأسر الفقيرة في مناطق تلكيف وبعشيقة وحمام العليل والقيارة والحمدانية. كانت هذه التجربة هي الأولى من نوعها للعديد من الزعماء الدينين المشاركين من الديانات المسيحية والايزيدية والمسلمين من كلتا الطائفتين.
يؤكد الشيخ احمد امجد أهمية المبادرة قائلاً: "هذه المبادرة لم تزود الأسر الفقيرة بما يحتاجونه من المواد الغذائية فحسب، بل قربتنا ايضاً من بعضنا البعض كمواطنين وكعراقيين. إن ارتدائي للزي الديني الاسلامي اثناء توزيعي للمساعدات الانسانية على المسيحيين والايزيديين ساعد في تقليل الفجوة فيما بيننا. نحن نعمل على تقديم يد العون للناس في الوقت الذي نتصدى فيه لجائحة كورونا، لكن هذه المبادرة كانت فرصة لتحقيق أهداف التماسك المجتمعي ايضاً."
عمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي منذ عام 2018 بالشراكة مع منظمة التحرير للتنمية لتطوير مهارات 280 من رجال الدين في مناطق الحمدانية وتلكيف وبعشيقة، لتعزيز روح التسامح ومحاربة التطرف وتمكين لغة الحوار بين مختلف الأديان والطوائف الأخرى، وتقوية النسيج الاجتماعي. على الرغم من أن مناطق سهل نينوى تعد غنية بثقافاتها النابعة من مجتمعاتها متعددة الأديان، لكنها أيضا تحمل ندوباً مادية واجتماعية عميقة تسبب بها تنظيم "داعش" أثناء سيطرته على المنطقة.
وإدراكاً للدور الكبير للقادة الدينيين في بناء السلام من خلال الوساطة والحوار ، قدم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع منظمة التحرير للتنمية الدعم اللازم لرجال الدين لتنفيذ المبادرات المجتمعية، بهدف تعزيز الحوار والتفاهم بين الأديان.
"بعد تحرير الموصل، انقسم الناس نتيجة للفكر الذي نشره تنظيم داعش." يقول الشيخ نشوان، أحد رجال الدين المسلمين من القيارة، مضيفاً: "تقع على عاتقنا مسؤولية تقليص هذه الفجوة وإعادة التماسك المجتمعي الذي كان لدينا من قبل. لقد كانت هذه المبادرة تجربة تعليمية لنا أيضاً، فعندما تواصلنا مع إخوتنا الايزيديين، تعلمنا الكثير عن دينهم – أشياء لم نكن نعرفها من قبل لأننا لم نكن على اختلاط بهم. ففي الوقت الذي خففت فيه المساعدات الغذائية التي قمنا بتوزيعها قليلاً من صعوبة المعيشة، إلا انها كانت ايضاً ذات قيمة أخلاقية لها تأثير أعمق بكثير. لقد كان المواطنين يبتسمون وهم يتلقون المساعدات، وهم الآن يدركون أن هنالك أشخاص يفكرون فيهم، ويرغبون بمساعدتهم."
في منطقة تلكيف ذات الأغلبية المسيحة والتي تبعد مسافة 10 كيلومترات شمالي الموصل – اجتمع ثلاثة من رجال الدين المسلمين (سنة وشيعة) إضافة الى رجال دين من الطائفة الايزيدية التي تقطن في الجانب الآخر من سهل نينوى، وبدأوا بتوزيع سلال المواد الغذائية على 136 أسرة – كإحدى أول المواقع الخمس التي تم اختيارها لتوزيع المساعدات. تم اختيار المستفيدين وفقاً لمعيار الفقر او العوز، والذي استند على عدة جوانب منها دخل الاسرة وعدد افرادها وما اذا كانت تلك الاسر لديها وظائف معينة. "هذا التواضع والقبول فتح الباب بين جميع الطوائف – وخاصة رجال الدين." يصف الشيخ خلف، وهو زعيم دين إيزيدي من بعشيقة. "أتمنى أن نتمكن من إظهار قيمة هذه الأنواع من المشاركات وتشجيع القادة على نقل هذه التجربة إلى المستوى الوطني." يضيف الشيخ خلف.
احتوت كل سلة غذائية على المواد الأساسية للطبخ ، كالزيت والسكر ، إلى جانب منتجات النظافة التي ستمكّن الأسر من غسل اليدين بانتظام وتنظيف منازلهم، وهو أمر مهم لمكافحة تفشي فيروس كورونا. "إن الطريقة الوحيدة التي يمكننا بها التغلب على هذا الفيروس بنجاح، هي أن نحقق الانسجام بين جميع شرائح المجتمع. يحتاج الناس إلى المساعدة، كما يحتاجون إلى الطعام." يقول ناصر عبد العزيز ، أحد رجال الدين المسلمين من حمام العليل: "يمكننا معاً دعم الأشخاص الأكثر احتياجاً وبدون تمييز."
"يصبح الناس أقوياء وأكثر صلابة إذا تعاونوا مع إخوانهم وأخواتهم. من الصعب العمل بشكل منفرد، لكن إن تعاون مجموعة من الناس، فسيكون هنالك تضامن، وبالتالي سيتم تحقيق التماسك المجتمعي. وكما يقال، بدلاً من أن تلعن الظلام، إشعل شمعة." يوضح الشيخ بسام، وهو أحد رجال الدين المسلمين من القيارة.
كأعضاء مؤثرين في مجتمعاتهم، أصبح لدى هؤلاء القادة الدينيون قدرات جديدة لإلهام مجتمعاتهم وإظهار التضامن، بغض النظر عن عقائدهم أو طوائفهم، مستخدمين لغة الحوار كوسيلة لفهم بعضهم البعض بشكل أفضل. فبينما تواصل الأمة محاربتها للوباء، أصبحت أهمية بناء السلام أكثر وضوحاً من أي وقت مضى.
يقول الشيخ سعيد الدين، وهو أحد رجال الدين المسلمين من تلكيف: "آمل أن يتمكن كل شخص يحب العمل الخيري من وضع الحواجز العرقية جانباً والمضي قدماً بقلب مليء بالصفاء."
تعزيز القدرات المحلية لمنع العنف وتقليل التوترات عميقة الجذور في نينوى
تعاون برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع جمعية التحرير للتنمية، لتدريب أكثر من 280 رجل دين من جميع أنحاء مناطق سهل نينوى على التماسك المجتمعي ومسارات واستراتيجيات التعافي من الأزمات (بما في ذلك رجال الدين المسيحيين والايزيديين والمسلمين من كلتا الطائفتين) ، بتمويل سخي من حكومة اليابان ووزارة التعاون الاقتصادي الألمانية عبر بنك التنمية الالماني. كما تم تدريب أكثر من 100 شاب عراقي (بما في ذلك 44 فتاة) على القيادة والمدافعة، حيث نفذ هؤلاء المتدربون فيما بعد، 10 مبادرات مجتمعية ضمت مختلف الأديان لتشجيع الحوار والتفاهم بين أكثر من 600 شخص في مناطق الحمدانية وبعشيقة وتلكيف.