بقلم سندس عباس
غالباً ما ينظر إلى السياسة باعتبارها مجالاً خاصاً بالذكور. وفي معظم الأحيان، تحاول النساء اللاتي يؤدين أكبر حصة من الأعمال المنزلية دون أجر إيجاد وقت للمشاركة على مستويات مماثلة للرجال. وتمنع الممارسات والمواقف الاجتماعية كثيراً ممن يرغبن المشاركة، نتيجة معتقدات كثيرة تدرس في سن مبكرة وتعزز باستمرار طيلة الحياة، وتؤدي إلى تبني النساء لها واستبعاد أنفسهن أو بناتهن من النشاط السياسي. وتميل النساء بصورة غير متوازنة إلى اعتبار أنفسهن أقل دراية بالسياسة، أو غير مؤهلات للمشاركة فيها. وتخشى نساء كثيرات، في الأماكن التي تعد فيها مشاركتهن السياسية غير لائقة أو لا أخلاقية، إلحاق الضرر بسمعتهن أو بسمعة أسرهن. وغالباً ما تتعرض من تخوض غمار العمل السياسي للمضايقة والترهيب والعنف.
وبما أن أجندة 2030 وأهداف التنمية المستدامة، خصوصاً الهدف 5 والهدف 16، تتحدثان بشكل مباشر عن أهمية المشاركة السياسة للمرأة، فقد عقد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع مجلس النواب وتحت رعاية رئيس مجلس النواب السيد محمد الحلبوسي ورشة عمل في الرابع عشر من آذار (مارس) 2019 في مبنى البرلمان العراقي تحت شعار "السياسات المثلى لزيادة مشاركة المرأة في الأحزاب السياسية والقوائم الانتخابية"، بمشاركة 42 نائباً. كان هدف الورشة إبراز أهم الخطوات المطلوبة من الأحزاب السياسية لتشجيع النساء على المشاركة، وتقديم "شبكة البرلمانيات العربيات للمساواة"، وكذلك تشكيل فريق عمل يمكنه صياغة مسودة سياسات العمل السياسي لزيادة مشاركة المرأة في الشؤون السياسية.
وبحسب جدول الأعمال، أفادت النائبة في مجلس النواب وعضوة مجلس إدارة شبكة البرلمانيات العربيات للمساواة، السيدة هدى سجاد بأن: "تمكين المرأة سياسياً لا يعني زيادة عدد النساء في المؤسسات السياسية فقط، بل إيجاد عدد من النساء اللاتي يمكن ترقيتهن إلى مناصب صنع القرار داخل المؤسسات الحكومية".
وقد خاض المشاركون نقاشاً مثمراً لقضية المواصفات المطلوبة لتعزيز مشاركة المرأة في صنع القرار، وهو ما أوضحه بشكل معمق خبير المساواة بين الجنسين لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي أكد أن الأحزاب السياسية هي الجزء المفقود في المشهد نتيجة لدورها الحاسم في التمكين والمشاركة السياسية، وأن عليهم تبني آليات أو تدابير خاصة مؤقتة لتعزيز دور المرأة في الأحزاب السياسية وقوائم الانتخابات، كالمراجعة السنوية لسياساتهم المتعلقة بالعمل السياسي ولوائحهم الداخلية من منظور المساواة بين الجنسين، وتبني سياسات تحمي النساء من العنف خلال عملية الانتخابات واعتماد قواعد سلوك تمنع التلاعب السياسي القائم على التفرقة بين الجنسين.
وأكدت رئيسة شبكة "رائدات" الدكتورة رولا الحروب أن: "زيادة مشاركة النساء على كافة المستويات تتطلب مراجعة القوانين الانتخابية التي تحتاج من البرلمانات العربية ومنظمات المجتمع المدني أن تشكل قاعدة صلبة تضمن حقوق الإنسان وحقوق المرأة، وتتبنى التغييرات اللازمة لمقاربة المستقبل المأمول".
يمكن أن يتجلى وجود "كتلة نسائية" نشطة في وجود سياسات أكثر استقراراً وأقل فساداً وتطور اجتماعي واقتصادي وصحة، ورعاية اجتماعية وتعليم وسلم واستقرار، إذ أظهرت الدراسات أن المرأة في الحكومة تعالج بسرعة أكبر مسألة تقليص الفقر وتقديم الخدمات، وتزيد الإنفاق الحكومي على الصحة والرعاية الاجتماعية وتزيد الإنفاق على التعليم، بعيداً عن الميول السياسية للحكومة. كما تبتعد الدول أكثر عن السقوط في الحروب الأهلية ويقل الميل للعنف فيها خلال الأزمات الدولية وتقل انتهاكاتها لحقوق الإنسان. إن الركائز الأساسية لأي استراتيجية تضمن تمثيل المرأة والمشاركة الفعالة لها في كافة مستويات صنع القرار هي إرادة المرأة وتضامنها، بالإضافة إلى دور الأحزاب السياسية التي عليها التفكير بإجراء تدقيق في قضية المساواة بين الجنسين داخل بنيتها الحزبية الداخلية ومستوى الحساسية تجاه هذه المسألة لدى أعضائها.
اختتمت الورشة عملها بطرح عدد من النقاط والتوصيات لدعم المرأة في الأحزاب السياسية أبرزت ضرورة إضفاء طابع رسمي على نشاطات المرشحين الشفافة التي تراعي منظور النوع الاجتماعي، وفتح مكاتب للمرأة، مع ضرورة تمويل المرشحات.
ولضمان فعالية دور مكاتب المرأة باعتبارها أداة لتعزيز الدور الاستراتيجي للنساء في الأحزاب السياسية، يتعين على هذه المكاتب أن تمتلك أساساً صلباً وتعمل بشكل جيد، وأن يكون موقعها ضمن بنية الحزب، وعليها مراقبة وقياس مشاركة المرأة ضمن مراحل صنع القرار داخل الحزب نفسه. من ناحية أخرى، ستعمل بمثابة نافذة واسعة لتحقيق الأثر الكبير لنشاط النساء إذا استطعن تأسيس شبكة لأحزاب سياسية نسائية متعددة.