من خلال تعزيز الزراعة المستدامة، يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على تمكين صغار المزارعين من أجل التكيف مع تغير المناخ
تنمية القدرة على الصمود في مزارع العراق
25 يناير 2024
من سهول بلاد ما بين النهرين إلى جبال كردستان، أنتجت الأراضي الصالحة للزراعة في العراق على مدى قرون وفرة من المحاصيل، مما أدى إلى استدامة المجتمعات والمساهمة في التجارة الإقليمية. على الرغم من التحديات التي سببتها سنوات الصراع والتي يزيد من وطأتها تغير المناخ الآن، تظل الزراعة قطاعاً حيوياً في اقتصاد العراق، حيث توفر سبل العيش للملايين وتضمن الأمن الغذائي للبلاد.
في العراق، تعكس الزراعة العلاقة العميقة بين الناس وأرضهم،وتنتقل الزراعة عبر الأجيال للعديد من العائلات في ريف العراق. يكبر الأطفال جنباً إلى جنب مع آبائهم وأجدادهم، الذين يعملون كأوصياء على الأرض، ويتعلمون التقنيات التقليدية في زراعة التربة، وجني المحاصيل، والحفاظ على البيئة.
الزراعة من أجل مستقبل أكثر صحة
في ناحية الصقلاوية بمحافظة الأنبار، حيث تعمل معظم الأسر في الزراعة، تبدأ إيمان سامي غافل يومها مبكراً. بمجرد أن يذهب أطفالها الخمسة إلى المدرسة ويذهب زوجها سائق سيارة الأجرة ليكسب رزقه على الطريق، تتجه مباشرة إلى حديقتها حيث تقضي ساعات في زراعة قطعة الأرض التي تبلغ مساحتها دونماً واحداً والتي تمتلكها أسرتها ورعاية صفوف من الطماطم والفاصوليا والخيار، والبامية.
ورثت إيمان شغفها بالزراعة من والديها، اللذين غرسا فيها أهمية الاكتفاء الذاتي والحياة المستدامة. ومن خلال حديقتها الواقعة في الفناء الخلفي لمنزلها، تستطيع إيمان توفير طعام صحي ومغذي وتحقيق دخل إضافي لعائلتها. وتكسب كل عام ما لا يقل عن 1.6 مليون دينار عراقي (حوالي 1,200 دولار أمريكي) من زراعة وبيع الخضروات.
تقول إيمان: "لطالما كنت أؤمن بقوة الزراعة،فمن خلال قطعة الأرض الصغيرة هذه، أستطيع جني الخضروات، وطهي وجبات مغذية لأطفالي، وضمان صحة ورفاهية عائلتي، وكسب بعض المال الاضافي لدعم احتياجاتنا اليومية."
تجد إيمان أيضاً القوة والمتعة في الزراعة. وتتذكر إيمان قائلة "بدأت الزراعة عندما كنت صغيرةً، حيث كنت أساعد والديّ في الحقول". "لقد تعلمت منهم العمل الجاد والمثابرة، وقمت بغرس تلك القيم في أطفالي."
مزارع شاب بحلم كبير
قضى مجيد عبد معظم طفولته يلعب في الحقول. وكان أيضاً المكان الذي زاد فيه حبه للنباتات، وهو ما ألهمه لمتابعة علم الأحياء في الكلية. وقد عززت دراسة النباتات والحيوانات اهتمامه بعلوم المحاصيل، مما دفعه إلى تولي مزرعة عائلته التي تبلغ مساحتها 2.5 دونم.
يوضح المزارع البالغ من العمر 25 عاماً: "لقد كنت مفتوناً بالنباتات والعلم الذي يقف وراء نموها". "عندما درست علم الأحياء، أدركت أن هناك العديد من الطرق التي يمكننا من خلالها تحسين ممارساتنا الزراعية لتكون أكثر استدامة وصديقة للبيئة."
بصفته الابن الأكبر في عائلة مكونة من أحد عشر فرداً، يحرص مجيد على تحسين مصدر رزق أسرته الرئيسي من خلال المزج بين تقنيات الزراعة التقليدية والحديثة.
يقول مجيد: "أريد مواصلة ما بدأه والداي وتوسيع مزرعتنا لتوفير مصدر دخل ثابت لعائلتي. وتحسين عائداتنا مع تقليل تأثيرنا البيئي".
عائلة متحدة في الزراعة
ريام فرحان عكاب وشقيقها وسيم فرحان عكاب، مزارعان شغوفان، كرسا حياتهما لزراعة أرض عائلتهما. يديرون معاً دونمين من الأراضي كانوا قد ورثوها عن والديهم، حيث يزرعون القمح والشعير والذرة والبرسيم منذ أكثر من عقدين من الزمن لإعالة أسرتهما المكونة من عشرة أفراد.
"أرضنا مهمة لعائلتنا. بالنسبة لنا، الزراعة ليست مجرد وظيفة." تقول ريام: “إنها جزء لا يتجزأ من حياتنا”.
ويؤكد وسيم: "نحن مزارعون منذ سنوات عديدة، ومن مسؤوليتنا أن نحافظ على هذا الإرث لأطفالنا".
يزرعون القمح في شهر تشرين الثاني من كل عام ويحصدون بحلول شهر ايار، والذرة من شهر نيسان حتى حزيران. وتدر مزرعتهم كل عام ما لا يقل عن 5 ملايين دينار عراقي (حوالي 3,800 دولار أمريكي).
بناء القدرة على الصمود من خلال الزراعة المستدامة
لسنوات عديدة، اعتمد المزارعون مثل إيمان ومجيد وريام ووسيم على أساليب الزراعة والري التقليدية. وعادة ما يأخذ المزارعون المياه من مضخات الآبار لري مزارعهم، وهي عملية تتطلب الكثير من العمالة وتستهلك المياه وأصبحت أكثر صعوبة وتكلفة مع انخفاض مستويات المياه في جميع أنحاء العراق.
يقول وسيم: "يعتمد حصادنا على توافر المياه. ومع تزايد حدة حالات الجفاف، نعلم أنه يتعين علينا إدارة المياه بكفاءة أكبر".
لدعم المزارعين في العراق على التكيف مع التغير المناخي، يقدم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي برامج تدريبية ومنح مالية لتمكينهم من تبني ممارسات زراعية مستدامة. ويتعلم المزارعون كيفية تنويع المحاصيل، ودورة المحاصيل، وإدارة التربة، والحفاظ على المياه، والتقنيات المقاومة للجفاف، وتحليل سلسلة القيمة، وإدارة الأعمال، مما يعزز إنتاجية المزرعة ويؤمن سبل عيشهم لسنوات قادمة.
"لقد كنت أمارس الزراعة معظم حياتي، ولكنني لم أتعلم عن الري بالتنقيط إلا بعد حضور الدورات التدريبية. وتسمح لنا هذه التقنية باستخدام كمية أقل من المياه مع الحفاظ على محاصيل صحية.”
وتتابع ريام: "نحن نتعلم أن نكون أكثر من مجرد مزارعين. لقد أصبحنا رواد أعمال، وندير مزرعتنا كعمل تجاري، ونستكشف فرصاً جديدة لزيادة أرباحنا".
بالإضافة إلى ذلك، تتلقى ريام وإيمان ومجيد منحة بقيمة 4 ملايين دينار عراقي (حوالي 3000 دولار أمريكي) من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لدعمهم في تطبيق هذه التقنيات الجديدة في مزارعهم. وأثناء حضورهم التدريبات، حصل الثلاثة أيضاً على راتب نقل قدره 800 دولار أمريكي. ادخرت إيمان معظم مخصصاتها واشترت عنزتين بينما استخدم مجيد المال لشراء ستة أغنام.
وبعد التدريب، متسلحاً بالمعرفة والمهارات التي اكتسبها، حصل مجيد على قرض بقيمة 3 ملايين دينار عراقي مباشرة بعد التدريب لبدء تحويل مزرعته إلى الري بالتنقيط. والآن، تزدهر حقول الذرة التي يملكها مجيد، ويتوقع حصاداً وفيراً قبل نهاية هذا العام.
كما لاحظ انخفاضاً كبيراً في استهلاكه للمياه. ومن خلال استخدام الري بالتنقيط، فإنه يوفر أكثر من نصف استهلاكه المعتاد للمياه. "في السابق، كنا نقضي ما بين أربع إلى خمس ساعات كل يوم في سقي محاصيلنا، مما يستهلك الكثير من المياه. ولكن مع الري بالتنقيط، فإننا نسقي جذور النباتات مباشرة، مما يوفر لنا الوقت والموارد والجهد."
عن المشروع
من خلال برنامج بناء القدرة على الصمود من خلال تعزيز فرص العمل التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بتمويل سخي من الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية والمقدم من خلال بنك التنمية الألماني سيتم تدريب أكثر من 1,000 مزارع صغير في جميع أنحاء العراق على الممارسات الزراعية المستدامة وتزويدهم بالمعلومات اللازمة. مع منح لتعزيز إنتاجية المزرعة وتعزيز المشاريع الزراعية.
ريام وإيمان ومجيد هم مستفيدون من مشروع "دعم التعافي الاقتصادي المرن من خلال تعزيز قطاع الزراعة في قضاء الصقلاوية بمحافظة الأنبار" في إطار برنامج التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والذي يتم تنفيذه مع منظمة الرؤية العالمية. وقد استفاد من هذا المشروع أكثر من 300 مزارع في ناحية الصقلاو