هذه احدى وصفات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لإعادة الادماج والوحدة في المناطق المحررة
إعادة بناء الروابط الاجتماعية من خلال صناعة المخبوزات:
27 فبراير 2024
أدى الصراع مع داعش في الفترة ما بين عام 2014 وحتى عام 2017 إلى أعمال عنف ونزوح في العراق. ما أجبر الكثيرين على الفرار من منازلهم واللجوء إلى أماكن أخرى داخل العراق وخارجه.
على الرغم من انتهاء الصراع وتحرير المناطق المحتلة، إلا أن أثار هذا الصراع السلبية لا تزال تلقي بتداعياتها على المجتمعات المتضررة في مختلف أنحاء البلاد. لا يزال العديد من النازحين العائدين إلى ديارهم يعانون من آثار الصراع المترسبة. فقد الكثيرون منازلهم ومصادر رزقهم وصحتهم والروابط المجتمعية التي كانت مثل العمود الساند للمجتمع. عانت النساء والأطفال بشكل خاص من تحديات محددة بما في ذلك قلة فرص العمل للمساهمة في توفير دخل لأسرهم بينما كانوا يكافحون من اجل إعادة بناء حياتهم.
وكجزء من الجهود المبذولة لمواجهة هذه التحديات، يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع شركاء مثل منظمة (هيومن ابيل) على توفير سبل العيش والدعم الاقتصادي بالإضافة إلى خدمات دعم الصحة النفسية للعائدين وأفراد المجتمع المضيف من خلال التدريب المهني وأنشطة النقد مقابل العمل. ومنح الأعمال الصغيرة وغيرها – لتحسين حياتهم وإعادة بناء الروابط الاجتماعية.
احد الأنشطة المهنية الرئيسية المقدمة في هذه الدورات هي الدورات التدريبية المتخصصة في صناعة المخبوزات والمعجنات. في كتاب "متحدون من خلال الغذاء"، وهو كتاب طبخ قدمه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للإحتفاء بالمطبخ العراقي - تم تحديد الخبز باعتباره أحد الجوانب التقليدية للثقافة العراقية. بالنسبة لمبادرات التماسك المجتمعي التي أطلقها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يعد الخبز هو مفتاح رزق للنساء، حيث عادة ما يتم إيلاء الأمور المنزلية للنساء فقط للمساهمة في دخل أسرهن. أدناه، نشارك قصص ثلاث نساء ملهمات من الزاب في محافظة كركوك، اللاتي تغيرت حياتهن بسبب هذه الجهود.
الحلم بالكعكة الإسفنجية - قصة بثينة حسين
وتقول بثينة حسين التي تبلغ من العمر 30 عاماً وهي امرأة متزوجة وأم لأربعة أطفال: "كنت أحلم ان اصنع الكيكة الاسفنجية، والان تمكنت من صنعها". بثينة واحدة من 10 نساء من قرية الزاب في محافظة كركوك تم اختيارهن للمشاركة في الفصول المهنية التي تقودها منظمة هيومان أبيل، وهي شريك منفذ لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي تعمل في مناطق العودة.
خلال التدريب الذي دام 14 يوماً، قامت بثينة بتعلم مهارات جديدة في مجال صناعة المخبوزات حيث تعلمت كيفية صنع أنواع مختلفة من الكعك والحلويات العراقية وأتقنت تقنيات التزيين. وبحلول نهاية التدريب، كانت بثينة تستلم الطلبات من جيرانها وتكسب مبلغ 6000 دينار عراقي لكل كعكة تقوم ببيعها. إنها تأمل في تحقيق المزيد من الكسب مع زيادة الطلب.
نزحت عائلة بثينة في مدينة كركوك لمدة 5 سنوات بسبب تمرد داعش وعادت لتجد كل شيء مدمراً. وقالت: "كان علينا أن نبدأ من جديد"، مضيفة أنهم يعيدون بناء منزل عائلتهم، وهي سعيدة لأنها تستطيع أيضاً تقديم مساهمة صغيرة في ذلك الآن.
وقالت: "كل فرد في عائلتي متحمس لهذا الأمر، أطفالي جميعهم يدعمونني أثناء عملي وهم يتعلمون أيضًا".
وهي أيضًا متحمسة لأصدقائها الجدد الذين ينضمون للدروس التي تقدمها الورشة ، "لقد أصبحنا مثل الأخوات ونتشاور مع بعضنا البعض بشأن الوصفات والأفكار الأخرى".
رانيا، من ربة منزل الى سيدة أعمال
وفي نفس صف صناعة المخبوزات والمعجنات، تبدأ رانيا البالغة من العمر 32 عاماً حياتها الجديدة كصانعة للمخبوزات. كما أنها تصف نفسها بفخر بأنها سيدة أعمال منذ أن بدأت في تلقي الطلبات مباشرة بعد تطوير مهاراتها. بالإضافة إلى صناعة الكعك، فقد تعلمت من خلال التدريب على إعداد أطباق جديدة مثل البيتزا والحلويات العراقية، مما أدى إلى تلقيها طلبات في حفلات أعياد الميلاد الخطوبة.
"في الوقت الذي تلقيت فيه اول طلب لصناعة المعجنات كانت عائلتي بأكملها في الخارج تنتظر الشخص الذي ارسل الطلب من اجل تسليمه الطرد قمت بالتقاط مجموعة من الصور لكل هذه التفاصيل لقد كان يوماً سعيداً للغاية"، واضافت رانيا وبكل حماسة ان زوجها يساعدها الآن في توصيل الطلبات.
وتوضح رانيا: "حتى لو كان الربح البسيط الذي أحققه يلبي احتياجاتي فقط، فهو كافٍ لحد ما لأنه يساعد في نفقات الأسرة بأكملها"، مضيفة أن المدخرات تذهب إلى احتياجات أخرى للأسرة.
فرت عائلتة رانيا من الزاب لمدة عام ونصف وعادت في عام 2017 لإعادة بناء حياتهم.
سوزان تحصل على المساعدة
اما سوزان صالح فهي أمرأه متزوجة وأم لستة أطفال كانت قد تعرفت على خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي الاجتماعي التابعة للمشروع أثناء تلقيها دروس حول صناعة المخبوزات.
عانت سوزان من الرفض الأسري بعد ان تم تعيينها كأول مختار في منطقة شميت بمديرية الزاب. من المعتاد ان يكون هذا المنصب من حصة الرجال واعتبر إخوتها أنه عار على أسرهم عندما قبلته.
وعلى الرغم من رفض عائلتها فقد تولت المنصب الذي عرضه عليها القائمقام بعد العمل في منزله. أثر رفض إخوتها عليها بشدة، مما أعاق تركيزها أثناء دروس الخبز والمعجنات.
لقد تعلمت عن نظام الصحة العقلية والدعم النفسي الاجتماعي خلال دروس صناعة المخبوزات والمعجنات. شعرت سوزان بالعزلة، فلجأت إلى مستشار من فريق هيومن أفيرز. ومن خلال الجلسات الفردية والجماعية حصلت سوزان على دعم قيم في مجال الصحة العقلية.
وعبرت سوزان عن امتنانها للقوة التي اكتشفتها في داخلها "الآن، أركز على دعم عائلتي وأولئك الذين يهتمون بي،". على الرغم من أنها لم تبدأ بعد مشروعها الخاص بصناعة المخبوزات في المنزل، إلا أنها تخطط لبيع المعجنات إلى المدرسة المحلية بمجرد حصولها على منحة مالية.
ومن خلال دورها كمختارة، تهدف سوزان إلى توحيد الناس، بما في ذلك العائدين. وعلى الرغم من التحديات إلا أنها تشعر أن هناك المزيد من القبول الآن خاصة من والدها وعائلة زوجها. إنها تتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقاً مدعوماً بمساعدة الصحة العقلية، ومصممة على إحداث تأثير إيجابي في مجتمعها.
بناء روابط دائمة من خلال صناعة المخبوزات والمعجنات
وعلى الرغم من خلفياتهن المتنوعة فإن النساء العشر جميعهن - اللاتي ينقسمن بالتساوي إلى عائدات من النزوح وأفراد من المجتمع المضيف - أصبحن الآن صديقات حميمات، وكثيراً ما يتبادلن النصائح حول صناعة المخبوزات وبناء نوع من العلاقات التي تعزز إعادة الإدماج والتماسك الاجتماعي داخل مجتمعاتهن. يواصل مدربهم إرشادهم في تسعير منتجاتهم بينما يدعمهم موظفو هيومن ابيل في العثور على أسواق جديدة لبيع سلعهم الجيدة.
وقال هاني زهير، مدير مشروع هيومان أبيل: "نحن معجبون بشكل خاص بالعزيمة التي أظهرتها النساء في بدء أعمالهن حتى قبل استلام أدواتهن"، مضيفاً أن هذا العمل يمكن ان يلقى سوقاً رائجاًمضيفًا أن هذه كانت مهارة قابلة للتسويق لأن ثقافة تناول الحلوى والمخبوزات في المنزل وفي المناسبات بدأت تنتشر مرة أخرى في هذه المجتمعات الريفية. ومن خلال المشروع، يتعرف المستفيدون أيضاً على اهمية العناية الشخصية وأهمية التعليم وغيرها من القضايا المهمة في مجتمعاتهم. ويهدف هذا المشروع إلى رفع مستوى وعيهم وتمكينهم من أن يصبحوا سفراء للتغيير داخل مجتمعاتهم.
حصلت جميع النساء العشر على مجموعة أدوات صناعة المخبوزات التي تتضمن فرناً ومحضر طعام وخلاطات اضافة الى أشياء أخرى لتمكينهن من تنمية أعمالهن المنزلية والحفاظ على سبل عيشهن على المدى الطويل. سيتم أيضاً دعم أولئك الذين يبدون اهتماماً بفرص التوظيف لتمكينهم من مواصلة بناء مهاراتهم أثناء حصولهم على المال.
حول هذه المبادرة
ويقدم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هذا الدعم من خلال مشروع المصالحة وإعادة الإدماج المجتمعي في العراق. ويجري تنفيذ المشروع حاليا في محافظات كركوك وديالى والأنبار، وسيستفيد منه 170 مستفيدا، من بينهم 82 امرأة.
من خلال جهود كهذه، وصل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى 3,925 من العائدين والنازحين داخلياً من خلال دعم مباشر لسبل العيش بما في ذلك التدريب المهني، بالإضافة إلى 5,482 من العائدين والنازحين داخلياً وأفراد المجتمع المضيف الذين حصلوا على دعم الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في عام 2023 وحده. وسيتم دعم 9000 فرد إضافي في عام 2024.
ومع استمرار التعافي وبدء العراق رحلته نحو السلام الدائم والتنمية المستدامة، فإن هذه الجهود - التي أصبحت ممكنة بفضل المساهمات السخية من نافذة التمويل لبناء السلام التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي - تظل مهمة لتوفير اللبنات الأساسية نحو مجتمع عراقي مسالم ومتماسك اجتماعيا.