يعيش البشر على سطح الأرض منذ ملايين السنين، يعملون و يتعايشون مع الظروف والأزمات من اجل الحفاظ على استدامة البشرية في هذا الكوكب. إن ظهور الوباء في 2020، قد أخضع البشرية إلى اختبار جديد في كيفية "قدرتنا على التكيف" مع الظروف الجديدة. فقد تضاعفت قدرة البشر على التكيف وقد طرأ عنها تغيرات في سلوكيات الأفراد أنفسهم ، والذي أثر على الطريقة التي تعمل بها المؤسسات والحكومات حول العالم من أجل المحافظة على استقرار الوضع الاقتصادي واتخاذ القرارات اللازمة من أجل استمرار الأعمال الإنسانية.
رغم الآثار السلبية التي نتجت عن انتشار الوباء، إلا أن ظهوره قد سمح بخلق أرضية مثالية لاختبار وتجربة افكار جديدة، وتحديدا معرفة قدرة التكيف لمبادرة مختبرات التسريع الإنمائية التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي التي أطلقت 60 مختبراً حديثاً في عام 2019 ليخدم 78 دولة حول العالم، ليتوسع عملها فيما بعد وتصبح 92 مختبراً يخدم 114 دولةً، إذ تعمل هذه المختبرات على ضخ الابتكار في "طريقة العمل" في مجال التنمية من أجل التصدي بشكل أفضل وسريع لتحديات القرن الحادي والعشرين المعقدة، وإيجاد ابتكارات وحلول محلية لمواجهة هذه التحديات. ولذلك انشأ المكتب القطري التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق مختبر التسريع الانمائي ليكون جزءا من أكبر وأسرع شبكة تعلم حول العالم، من أجل تسريع رحلة التعلم ودعم الابتكارات المحلية واللحاق بعجلة التنمية. والآن، دعونا نفترض أن تكييف مختبر التسريع التابع لبرنامج الامم المتحدة الانمائي في العراق هو ابتكار من ابتكارات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، و اليوم نحن بحاجة إلى اختبار عمله أثناء الوباء ليقوم بعد ذلك باختبار الحلول المحلية.
لقد أتيحت الفرصة لاختبار معايير مختلفة من أجل التأكد من فعالية مختبرات التسريع الانمائية في العراق من خلال العمل على تحديين معقدين، الأول هو البطالة والشباب، والثاني هو التغيرات المناخية، تحت تأثير كوفيد - 19. تشمل معايير الاختبار قدرة مختبر التسريع على وضع مخططات النظم المبتكرة مع استخدام مزيج من المنهجيات الجديدة وإيجاد مصادر بيانات غير معتادة ، اضافة لبناء شراكات فاعلة وجديدة لتسريع عجلة التنمية من خلال إيجاد رؤى جديدة وابتكار ودعم حلول محلية. ولذلك دعونا نرى الآن إن كان مختبر التسريع الانمائي في العراق قادراً على الالتزام بجميع المعايير من أجل تسريع رحلة التعلم وتقديم الدعم لمواجهة تحديات البطالة عند الشباب وتغيرات المناخ بصورة أفضل تحت تأثير وباء فيروس كورونا عالمياً.
← نوع البيانات هو نقطة البداية
أظهر لنا الوباء الحاجة الملحة لايجاد طرق غير معتادة لجمع البيانات واختبار قدرتنا على التكيف في الحصول على مصادر جديدة للمعلومات ، و نظراً لمحدودية فرص الوصول إلى البيانات بشكل مادي فيزيائي ملموس فقد قمنا بالبحث عن مجالات جديدة ومشروعة للوصول إلى البيانات ربما ما كنا لنحصل عليها أو ندرسها من قبل.
فقد أثناء فترة الوباء والاغلاق التام لمرافق الحياة، كان العالم الافتراضي هو القناة الأساسية للوصول إلى المجتمعات المحلية. ولذلك، استخدم مختبر التسريع الانمائي في العراق بيانات وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديداً قوة تأثير الكلمات وأنماط التواصل المختلفة ، لوضع استراتيجية للاستفادة من الرؤى ووضع مخططات الابتكارات والحلول المحلية. كما استخدم طرق محفزة تعتمد على الألعاب للاستفادة منها في جمع البيانات من أجل استشعار واستكشاف الوعي البيئي والتغير المناخي في المجتمع العراق من خلال لعبة المهمة 1.5. ومن جانب ابتكاري آخر فقد تم ، استخدام الذكاء الاصطناعي لاستشعار واستكشاف ما يدور في ذهنية الشباب العراقي بشأن فرص التوظيف في العراق. وايضا تم اعتماداً نهج مستقبلي لدعم غرفة مواجهة أزمات النوع الاجتماعي، وهي مبادرة بدأها المكتب القطري لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق لجمع التوجهات والإشارات الخاصة بتحديات بطالة عند الشباب وتغير المناخ الحالية التي يمكنها التأثير على مستقبلنا.
البيانات التي تم جمعها من قبل فريق مختبرات التسريع في العراق بحاجة للتحليل باستخدام منهجيات مبتكرة ، كالحاجة إلى استشعار واستكشاف الحلول المحلية لمواجهة التحديات المعقدة. عماوماً، فقد أثبتت عملية جمع البيانات أن المجتمعات المحلية في العراق على دراية بالارقام والإحصاءات المتعلقة بارتفاع معدل البطالة وتدهور الوضع البيئي في العراق، إلا أن تلك البيانات لم تكن حافزاً لاتخاذ التدابير اللازمة. إضافة إلى ذلك، أظهر جمع البيانات ضعفاً في ارتباط النظم البيئية بكل من تحديات البطالة عند الشباب من جانب ، وتغيرات المناخ من جانب آخر .
← روعة المنهجيات المبتكرة
تسريع عجلة التنمية من أجل مواجهة التحديات لا يتطلب تجربة مصادر جديدة للمعلومات فحسب ، بل يحتاج أيضاً إلى استثمار البيانات الناتجة من خلال تجربة منهجيات وأساليب جديدة ينتج عنها معلومات ورؤى فعالة تلعب دوراً في تقليص "فجوة ذات الصلة " بين الأساليب المتبعة في الوقت الحالي وتحديات القرن الواحد والعشرين.
استخدم مختبر التسريع التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق ثلاث منهجيات معاً: "التفكير المنظومي"، و"التفكير المستقبلي"، و"التفكير التصميمي" ليتكامل العمل عند مزج المنهجيات الثلاث بعضها بعضاً من أجل فهم النظام واستكشاف والسبب في عدم دفع بيانات النظام إلى اتخاذ تدابير من قبل المجتمع المحلي. حيث مكنتنا منهجية التفكير المنظومي من فهم شمولية وترابط النظام بشكل كامل وتحليل عقده ونقاط التلاقي من خلال استخدام تخطيط المشكلات. ثم جاء دور تحليل العقد-المشكلات والحلول، وفي الوقت نفسه استخدام التفكير المستقبلي لفهم الآثار المترتبة على مشكلات وحلول بعينها في المستقبل. استخدم مختبر التسريع الأساليب المبتكرة المذكورة أعلاه واستكشف نظام الابتكار في العراق، واستخدم التفكير التصميمي لإيجاد حلول مبتكرة. ثم انطلقنا في مركبتنا الفضائية من الزمن الحاضر إلى المستقبل القريب حيث حددنا إشارات التغيير الحالية، والاتجاهات التي تشير لها ، وكيفية تأثير ذلك على مستقبلنا.
لقد أظهر تفاعل البيانات مع الأساليب المبتكرة لظهور رؤى مدهشة . فقد أشار أولاً إلى الأسباب الكامنة وراء نقص الترابط في النظام الذي يرجع إلى حد كبير إلى غياب التواصل ضمن النظام البيئي لكل تحدي على حده ومع بعضهما البعض ، وهذا يؤدي إلى انعدام التناغم عند محاولة توحيد الجهود من قبل جهات البيئة الداعمة . ثانياً، يقودنا ذلك إلى الانتباه إلى أن معظم التدابير المتخذة حالياً لمواجهة التحديات المعقدة لا تشرك بشكل جيد كل أصحاب المصلحة في النظام البيئي.
← عناصر التغيير الحقيقي
حان الآن الوقت للاستجابة للمعلومات والبيانات التي توصلنا إليها من خلال مرحلة جمع البيانات ومرحلة استخدام منهجيات المبتكرة. سلطنا فيما سبق الأضواء على الحاجة إلى تعزيز التنسيق والتعاون من أجل النظام البيئي الداعم ، بينما نركز الآن على "ربط" أصحاب المصلحة وإيجاد أرضية تفاعلية بهدف إنشاء نظام بيئي متماسك.
بغية تعزيز المشاركة المحلية في إحداث تغيير على مستوى السياسات ، اعتمد مختبر التسريع التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي نهجا من القاعدة إلى القمة يشمل مستويين ، بدءا من المجتمع المحلي ودفع التغيير صعودا إلى صانعي السياسات. بشأن المستوى الأول، أجرى مختبر التسريع في العراق تمرين وضع مخطط أصحاب المصلحة الذي أدى إلى تكوين شبكة ابتكار محلية "الفريق التطوعي من مختبرات التسريع الانمائية "، لمواءمة الجهود ضمن النظام البيئي الداعم.
بعد ذلك، انتقلنا إلى المستوى الثاني لوضع مخططات المنظومة ال وتحديد الموارد والمعرفة ضمن الشبكة لإثراء عملية بناء الشراكات بالمعلومات وتحديد مستوى تغيير السياسات. فقد تضمن ذلك بشكل أساسي تحديد الفاعلين النشطين في النظام البيئي، وإجراء تخطيط للمعرفة والمهارات في الشبكة، وإقامة شراكة طويلة الأمد مع أصحاب المصلحة. وقد مكن البناء الاستراتيجي لنهج الشراكة مختبر التسريع الانمائي في العراق من إقامة شراكة مع حكومة العراق ممثلة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، لإيجاد التعلم وتغيير"طرق القيام بالأشياء" على مستوى مؤسسي. كما تعاون مختبر التسريع مع واحدة من أكبر شركات الاتصالات في العراق، شركة آسياسيل، لدعم الابتكارات الشعبية أثناء الوباء. ونجح مختبر التسريع التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في التعاون مع منظمات المجتمع المدني، "مؤسسة المحطة لريادة الأعمال تحديداً"، واستخدم نهجاً مستقبلياً تشاركياً لتحفيز العمل ضمن المجتمع المحلي. ولضمان استمرارية المهمة، بنينا شراكات مع مؤسسات أكاديمية، مثل جامعة البصرة - كلية الزراعة، لدمج ما لدينا من أدوات ومنهجيات تعلم وآليات مبتكرة سريعة لدعم الابتكارات المحلية في المؤسسات التعليمية العراقية.
إن المشاركة والتفاعل المستمر الذي يقوم به مختبرا التسريع الانمائي في العراق مع شبكة مختبرات التسريع العالمية لمشاركتهم ما توصل إليه الرؤى و كيفية استخدام المنهجيات المبتكرة والمعلومات الناتجة والشراكات الجديد مع المؤثرين، قد عزز دور مختبر المكتب القطري في العراق في مشاركة الخبرات وتبادل المعلومات والتجارب مع باقي المختبرات حول العالم داخل. فقد تحدث مختبر التسريع في العراق معلناً ومعلوماته ورؤاه عن مساعيه من خلال وسائل الإعلام الاجتماعي ونشرَ مدونات شهرية. كما استفاد مختبر التسريع من شبكة التعلم الأكبر من خلال المشاركة في تنظيم أول قمة عالمية للمستكشفين عام 2020. كذلك تبادلنا مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي منتجات من خلال نشر دليل التدريب على التفكير التصميمي. واستطاع مختبر التسريع في العراق في مشاركة الشبكة العالمية في 100 ابتكار محلي عراقي لدعم دور ابتكارات المجتمعات المحلية في تسريع التنمية.
نحن نعلم أن على البشر أن يتعلموا، و يتكيفوا، و يستمروا في التعلم. قد يكون هذا التعلم على شكل تحديات، وقرارات، ونتائج. أن تداعيات الوباء ساعدت مختبر التسريع التابع لبرنامج الأمم المتحدة في العراق في اختبار مرونة نظام عمل المختبر ومدى استمرارية الابتكارات. وعلى الرغم من تحديات عام 2020، فقد تكيف مختبر التسريع في العراق وأصبح جاهزاً لإيجاد فرص تعلم مستمرة لدعم سبل العيش في عام 2021.