من الصراع إلى التعاون: مجتمعات يمنية تجد أرضية مشتركة حول المياه
21 مارس 2024
الماء، إكسير الحياة، ويمكن أيضاً أن يشعل فتيل التوتر. في اليمن، حيث تعتبر شحة المياه حقيقة قاسية، شهدت المجتمعات المحلية نزاعات حول موارد المياه الحيوية، مما يهدد سبل العيش والاستقرار. ويتطلب التغلب على هذه التحديات الحوار والتعاون ويمكن أن يكون شهادة على قوة المرونة البشرية وإمكانية قيام المجتمعات بتعزيز التماسك الاجتماعي في مواجهة الشدائد.
ينفذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مشروع تعزيز القدرة على الصمود من خلال الإدارة المستدامة لموارد المياه، بتمويل من الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية (BMZ) من خلال بنك التنمية الألماني (KFW)، ليساعد المجتمعات اليمنية في التعامل مع التحديات المتعلقة بالمياه المحتملة. يتم تنفيذ هذا المشروع، بمكوناته الأربعة الرئيسية - الإدارة الشاملة للمياه، وحل النزاعات سلميًا، وترميم البنية التحتية، والزراعة المستدامة - بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة ويهدف إلى تحويل إدارة الموارد المائية إلى عملية شاملة وتشاركية تعزز التماسك والاستقرار الاجتماعي.
جبل الشرق يتغلب على نزاع حول شبكة المياه
في أعماق قلب محافظة ذمار، وسط التلال المتموجة التي تغمرها أشعة الشمس الذهبية، تقع قرية العر. يعتمد سكان القرية منذ أجيال على المياه المتوفرة في البئر القبلي. ومع ذلك، ظهرت التحديات عندما أكدت قرى بيت جعفر وبني رشيد المجاورة ملكيتها لشبكة المياه، مما أدى إلى تعطيل التدفق ليس فقط إلى العر، بل أيضًا إلى الجوجيبي وبني نشوان والأراضي الزراعية المحيطة بها. وقد عرّض هذا النزاع ري الأراضي الزراعية واحتياجات المياه المنزلية للخطر، وفي نهاية المطاف، عرّض بقاء هذه المجتمعات للخطر.
كانت هذه المجتمعات تتأرجح على حافة الخلاف حول المورد الذي كان ينبغي أن يوحدها. ومع ذلك، لعبت جمعيات مستخدمي المياه في بني غوشيب والمغربة، بفضل التدريب على حل النزاعات، دورًا محوريًا في تسهيل الحوار واقتراح الحل.
وتنص خطتهم على إنشاء شبكة مياه منفصلة لمنطقة العر، مما يسمح لقرية الجوجيبي بالسيطرة على إمدادات المياه الخاصة بهم. وهذا الاعتماد على الذات لن يأتي على حساب الآخرين. وسيتم مد أنابيب مياه جديدة إلى الخزان، مما يضمن تلبية الاحتياجات المائية لجميع القرى المجاورة، سواء لأغراض الري أو الاستخدام المنزلي.
ولترجمة هذه الرؤية إلى واقع، تم تعيين مهندس ماهر. ولم تكن المهمة بالمهمة السهلة، إذ كان من الضروري نقل المياه من خلال أنبوب بطول 359 متراً، يتكون من أنابيب مجلفنة متينة بقطر 3 بوصات، من البئر إلى نقطة توزيع بالقرب من قرية المبروغة. ومن شأن غرفتين للصمامات تقعان في موقع استراتيجي، واحدة عند البئر والأخرى بالقرب من قرية المبروغة، أن تضمن تدفق المياه بكفاءة إلى القرى المحتاجة.
وكان تأثير هذه المبادرة - وهي واحدة من 27 مبادرة تم تنفيذها في محافظات ذمار وأبين وحضرموت - تأثيراً عميقاً. وقد أحدثت فرقاً في حياة ما يقرب من 4,000 فرد، يعتمد الكثير منهم في معيشتهم على قطاع زراعي مزدهر. ومع حل النزاع وإنشاء شبكة مياه مخصصة، لم تتمكن هذه المجتمعات من استعادة الاستقرار فحسب، بل بدأت أيضًا في رحلة نحو الإدارة المستدامة للمياه، مما يضمن الاستخدام المستمر لهذا المورد الثمين.
ومع تطور المشروع، شرعت المجتمعات، بتوجيه من جمعيات مستخدمي المياه المحلية، في السير على طريق المصالحة. فلم يكن الأمر يتعلق بالمياه فقط؛ كان الأمر يتعلق بإعادة بناء الثقة، وتعزيز التعاون، وتصور مستقبل حيث لم تعد المياه مصدرا للخلاف بل مورداً مشتركاً.
مزارعو القريات يجدون أرضية مشتركة
وإلى الجنوب، في قرية القريات الخلابة الواقعة في مديرية زنجبار في أبين، يندلع صراع آخر يتعلق بالمياه. لسنوات، كانت المياه تمر عبر قلب القرية، وتفصل بين المزارعين على طول الضفتين الشرقية والغربية لبوابة مياه سالم نصيب والقناة رقم 2. بدأ هذا الحاجز غير المرئي في عام 2011، ومع مرور كل موسم أمطار، تصاعد التوتر، حيث يقوم المزارعون في الجانب الغربي، خلال فترات هطول الأمطار الغزيرة، بإغلاق بوابة المياه جزئيًا أو كليًا، مما يعيق تدفق المياه إلى الجانب الشرقي. أدى هذا التصرف المُحبط، الذي غذته شحة المياه، إلى الاستياء والخلافات وحتى الاشتباكات.
وإدراكًا لخطورة الوضع، شرع مكتب الزراعة والري المحلي، جنبًا إلى جنب مع شيوخ القريات وقادة المجتمع، في سلسلة من اجتماعات الوساطة. وكان هدفهم بسيطاً: إيجاد أرضية مشتركة، وحل يعالج مخاوف الجانبين. ومع ذلك، وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلوها، لم تقدم هذه الاجتماعات سوى إرجاء مؤقت. وظلت المشكلة الأساسية -الحالة المتداعية لبوابة مياه سالم نصيب والقناة رقم 2- بمثابة تذكير دائم بضعفهم.
ولضمان التوصل إلى حل دائم، اقترحت جمعية مستخدمي مياه القريات حلاً شاملاً يعالج إغلاق بوابة المياه وتدهور حالة القناة. وتضمنت الخطة إعادة التأهيل وإزالة العوائق والرواسب والأكوام الترابية التي تراكمت مع مرور الوقت، مما أعاق التدفق وزيادة فقدان المياه. بالإضافة إلى ذلك، تنظيف مدخل ومخرج القناة بشكل كامل. ولتعزيز وظيفة نظام الري على المدى الطويل، خطط المجتمع، بدعم من مهندس متخصص، لتركيب بوابة حديدية رئيسية جديدة يبلغ عرضها 2.7 متر. ومن شأن هذه البوابة أن تضمن تحكمًا أفضل في تدفق المياه، مما يمنع النزاعات المستقبلية الناجمة عن إغلاق البوابة جزئيًا أو كليًا. وأخيرًا، لضمان طول عمر القناة، سيتم بناء جدران حجرية على كلا الجانبين، مما يخلق مستوى من السطح ويمنع التآكل. ويهدف هذا النهج الشامل إلى الحفاظ على المياه خلال موسم الأمطار، وضمان إمدادات وفيرة لجميع أفراد المجتمع واستمرار عمل القناة لسنوات قادمة.
من خلال إعادة تأهيل بوابة مياه سالم نصيب والقناة رقم 2، هدف المجتمع إلى تحسين إمدادات المياه للمزارعين و500 من السكان المحليين. ومن خلال جهودهم الجماعية، أظهر أعضاء جمعية مستخدمي المياه في القريات قوة الوحدة والصمود. ويقول أنيس الشدادي، عضو جمعية مستخدمي مياه القريات: "كان للتدخل في القريات أثر إيجابي عميق". "الآن، المياه وفيرة للجميع، ونجحنا في تجنب صراع محتمل".
من خلال تعزيز الإدارة الشاملة للمياه، وحل النزاعات سلمياً، وترميم البنية التحتية، والزراعة المستدامة، يتم تنفيذ مشروع تعزيز القدرة على الصمود من خلال الإدارة المستدامة للموارد المائية. تعمل على تحويل إدارة الموارد المائية إلى عملية تعزز التماسك الاجتماعي والاستقرار ومستقبل أكثر إشراقاً لجميع اليمنيين.
حول المشروع
بتمويل من بنك التنمية الألماني (KFW) وتنفيذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يركز مشروع تعزيز القدرة على الصمود من خلال الإدارة المستدامة لموارد المياه على تمكين مؤسسات المياه الوطنية والمحلية، مثل الهيئة الوطنية للموارد المائية وجمعيات مستخدمي المياه، لإدارة موارد المياه بشكل فعال وبشفافية. ويشمل ذلك إعادة تأهيل البنية التحتية الحيوية لضمان توافر المياه على المدى الطويل وإحياء الآليات التقليدية لجمع المياه، وتعزيز ممارسات إدارة المياه المستدامة والمنخفضة التكلفة. بالإضافة إلى ذلك، تم توفير التدريب لجمعيات مستخدمي المياه لتزويدهم بالمهارات اللازمة لإدارة موارد المياه بشكل فعال وحل النزاعات داخل مجتمعاتهم.
وكمشروع تجريبي، دعمت المبادرة أيضًا إنتاج منتجات زراعية بديلة، وتحديدًا التحول من القات (محصول كثيف الاستخدام للمياه) إلى القهوة، وهو خيار أكثر استدامة. علاوة على ذلك، يركز المشروع على تمكين المرأة من خلال بناء مهاراتها القيادية والتقنية، مما يتيح لها زيادة مشاركتها في المنظمات المجتمعية. وهذا أمر بالغ الأهمية لتعزيز رفاهية النساء وأسرهن، والمساهمة في نهاية المطاف في التماسك الاجتماعي والقدرة على الصمود على المستوى المحلي.