أكاديمية مهارات المستقبل حاضنة الأمل وممكنة لقدرات أبناء المنطقة العربية

بيان السطري ، محررة، مشروع المعرفة

5 فبراير 2025
A smiling young man stands behind colorful blocks representing sustainable development goals.
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان

لآلاف السنين، كانت المنطقة العربية من شرقها إلى غربها منارةً للعلم ومهد الحضارة الإنسانية العالمية، وعلى أرضها وُضعت العلوم الهندسية والطبية والفلكية والأبجديات التي نكتب بها اليوم. ولكن، إذا نظرنا إلى المنطقة الجغرافية نفسها اليوم، سنجد خارطة في معظمها ملتهبة تشكو الحروب وتردي الأوضاع الاقتصادية والبطالة، وفي الوقت ذاته سنجد أفراداً من مختلف الفئات العمرية محبين للعلم والمعرفة ويبحثون عن حاضنات لإطلاق العنان لإمكانياتهم، كما عرفتهم البشرية منذ القدم. ذلك لأن العلم والمعرفة هما سلاح المنطقة العربية الأوحد لصناعة سردية جديدة من الأمل والسلام والنهوض بمستقبل أبنائها.

أكثر من 50% من إجمالي السكان في منطقة الدول العربية تقل أعمارهم عن 24 عاماً والذين يواجهون تحديات البطالة وعدم ملاءمة مهاراتهم ودارستهم الأكاديمية لمتطلبات سوق العمل، وعدم قدرة الاقتصادات العربية على توفير فرص عمل تتناسب مع مهارات الأفراد المتاحة بحسب الإسكوا(link is external). كما تسجل منطقة الدول العربية أعلى معدلات بطالة بين الشباب في العالم، حيث يزيد عدد العاطلين عن العمل من الشباب في سن العمل على ما يقارب 15 مليون شخص(link is external) وفقاً لمنظمة العمل الدولية، ولا تزال المنطقة تعاني من اتساع الفجوة المهارية في مجالات المهارات الرقمية.

استجابة لهذه المعطيات،  أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة وبالتعاون مع منصة "كورسيرا" مبادرة "مهارات المستقبل للجميع(link is external)" عام 2023بهدف تزويد المواطنين العرب بالمهارات اللازمة لتحسين فرصهم في سوق العمل المتغير، وتأمين حياة كريمة لهم ولأسرهم. استفاد من المبادرة في عامها الأول 9,902 متعلماً ومتعلمةً أكملوا ما يتجاوز 15 ألف برنامج تعليمي.

ولاستدامة جهودها على نطاق أوسع، أُطلقت أكاديمية مهارات المستقبل(link is external) كمرحلة ثانية للمبادرة ضمن أعمال الدورة الـ 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، مستهدفة مليون متعلم سنوياً و10  ملايين متعلم بحلول 2030.  وخلال قمة المعرفة 2024 في دبي، شارك مجموعة من أفضل متعلمي المبادرة لعام 2023-2024 في جلسات حوارية لاستعراض محطات من قصص نجاحهم وانعكاسات المبادرة على تطورهم المهني. 

Video Player

أمل يزهر رغم الحرب

رغم الحرب التي استمرت لأكثر من عام في غزّة، صنعت مبادرة "مهارات المستقبل للجميع" الأمل لأماني فهيد التي تقطن في شمال القطاع. وخلال 7 أشهر، تمكنت الشابة الغزية من استعادة وتعزيز مهاراتها في اللغة الإنجليزية التي فقدتها نتيجة لانقطاعها عن تعليمها الجامعي، وذلك من خلال دورات متقدمة في اللغة الإنجليزية. 
 

Group of children holding drawings in a classroom setting with a laptop on a table.

أطلقت أماني مبادرة "قلوب معطاءة" لتعليم مهارات اللغة الإنجليزية للأطفال النازحين شمال قطاع غزة.

صورة: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)


لم يقتصر أثر المبادرة على أماني فقط، بل امتد لأكثر من 50 طالباً وطالبة بين 12-8 عاماً أخذت أماني تعلمهم اللغة الإنجليزية في مدارس الإيواء تحت مظلة مبادرة أسمتها "قلوب معطاءة "، لمساعدة الطلبة الذين تخلفوا عن التعليم وفقدوا منازلهم وأفراداً من أسرهم.وبعزيمة كبيرة، توصي أماني أقرانها بعدم الاستسلام فالتحديات تصنع أناساً أقوياء والأمل يولد من رحم المعاناة، مؤكدة مسؤوليتها تجاه الآخرين في محيطها وخدمة مجتمعها.
 

A woman wearing a hijab, with a neutral expression, stands indoors.

 


وتقول أماني: "مثّلت هذه المبادرة ملاذاً وطوق نجاة أصب من خلاله كل طاقتي في التعليم انطلاقاً من رغبتي الشديدة في تطوير نفسي على الرغم من الصعوبات التي كنت أواجهها مثل انقطاع الكهرباء والإنترنت والبحث عن مكان لشحن الأجهزة بالطاقة الشمسية." . 


 


الحصول على وظيفة جديدة

لم يكن محمد الحسيني، 30 عاماً من محافظة الحسكة بسوريا، يعلم أن المهارات التي اكتسبها عبر "مهارات المستقبل للجميع" ستمكنه من الحصول على فرصة وظيفية أفضل في مجال تحليل البيانات وتقنية المعلومات. الحسيني الذي يحمل درجة البكالوريوس في الاتصالات والإلكترونيات التحق بعدة برامج ودورات مكثفة ضمن المبادرة مثل تحليل البيانات المتقدم، وتقنية المعلومات، والمهارات الرقمية، واستكمل 400 ساعة تدريبية من شركات وجامعات دولية.

 


وعبر محمد عن أهمية المبادرة بقوله: "تعد المبادرة حاضنة لطموحات الشباب وتقدم فرصة نادرة للحصول على خبرات ومهارات عالمية مجاناً، ففي بلدي سوريا لا نملك القدرة على تغطية تكاليف الدورات التدريبية المتخصصة بسهولة، وهذا يجعل الوصول إلى المهارات الرقمية أمراً صعبًا للكثيرين. لذا أسعى من خلال مبادرة "مهارات المستقبل للجميع" أن أكون جزءاً من نشر هذه الفرص للشباب، بما يمكنهم من بناء مستقبل مهني واعد ومواكبة التطورات العالمية."


 


من مهندسة إلى مدربة معتمدة في اللغة الإنجليزية

 


لفتت زهرة بشير، 27 عاماً، وتعمل كمهندسة تخطيط في وزارة الكهرباء العراقية، انتباه قسم الموارد البشرية بعد حصولها على شهادة معتمدة في اللغة الإنجليزية من "كورسيرا" ضمن مبادرة "مهارات المستقبل للجميع". مكّنها هذا الإنجاز من تجاوز مهامها الروتينية حيث أصبحت مدربة معتمدة تقود برنامج تدريبي في اللغة الإنجليزية لموظفي الوزارة الذين يزيد عددهم على 94 موظفاً، 48 منهم من الإناث، لتحصل على دخل إضافي عن هذه الدورات التدريبية. .


 


من خلال المبادرة، انضمت زهرة لعدد من البرامج التعليمية منها، "اللغة الإنجليزية للأعمال" و"الأمن السيبراني"، و "إدارة المشاريع". اختتمت زهرة حديثها عن دور المبادرة في تطويرها شخصياً ومهنياً بقولها: "لقد فتحت لي مبادرة "مهارات المستقبل للجميع" أبواباً واسعة من الفرص لم أكن لأتخيلها وزادت ثقتي بنفسي. لا أريد أن نكون كمواطنين في العالم العربي محبطين مما يحدث حولنا من أزمات، وإنما يجب أن نتحلى بالإيجابية وأن نتعاون سوياً لتغيير واقعنا وصناعة مستقبلنا".

التطوع لخدمة المجتمع 

A group of people working at computers in a blue-walled room, one person assisting another.

يتطوّع حسن لتدريب الطلاب على مهارات تطوير الواجهة الأمامية في مختبر جامعة صومفيل بالصومال.

صورة: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)

حوّل حسن عبدالله،21 عاماً من الصومال، "مهارات المستقبل للجميع" من مبادرة تعليمية إلى منصة لخدمة المجتمع فقد نقل المهارات التي تعلمها في صفوف برنامج "الواجهات الأمامية" إلى مختبر الحاسب بجامعة صومفيل حيث يعمل بشكل تطوعي لتعليم أكثر من100  طالب. 

 وبحسب حسن، خريج كلية تقنية المعلومات، فإن المبادرة قد قدمت مورداً هاماً لتعلم مهارات المستقبل التي يحتاجها لتأهيله لمتطلبات سوق العمل المتغير، مشيراً إلى أن الوضع الأمني غير المستقر في الصومال وشح المواد العلمية والخبرات العالمية يجعل الحصول على هذه الخبرات أمراً صعباً.  وقال: "نحن في أمس الحاجة لمثل هذه المبادرات لأنها تعيد ثقة المواطن العربيإلى نفسه وبقدارته في المساهمة الإيجابية في نقل المعارف وتطوير المجتمعات. من حقنا كأفراد في العالم العربي أن نحلم ونحول أحلامنا إلى واقع".

من فكرة على ورق إلى شركة قيد التأسيس

A group of people in a conference room listening to a presenter, with a screen displaying graphics.

يعمل عمر رفقة إثنين من زملائه على تأسيس شركة ناشئة تقوم بتحويل زجاجات البلاستيك إلى خيوط للطباعة ثلاثية الأبعاد.

صورة: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)

هل يمكن لشاب مثلي يعيش في الأرياف أن يطلق مشروعاً ناجحاً يصل إلى العالمية؟ هل يمكن لابن الريف أن يكون صانع تغيير عالمي؟ أسئلة لطالما راودت عمر نصايرة، شاب في الـ 25 من عمره، من أرياف مدينة إربد شمال الأردن، الذي استطاع من خلال المبادرة تحويل فكرة مشروعه من حبر على ورق إلى شركة قيد التأسيس، استناداً إلى ما تعلمه من مهارات حول بناء نموذج للأعمال واختيار فريق العمل والتسويق الرقمي والتواصل الفعال مع المستثمرين. 

ترتكز فكرة الشركة التي أسسها عمر رفقة إثنين من زملائه المهندسين على تحويل قوارير المياه إلى خيوط تستخدم في الطباعة ثلاثية الأبعاد بما يوفر حلول بيئية مستدامة. يحلم عمر بأن يكون هناك "سيليكون فالي" عربي، يضاهي السيليكون فالي في كاليفورنيا، وينصح أقرانه بأن يتحلوا بروح المخاطرة وأن لا يهابوا الفشل، بل أن يتعلموا منه".

المعرفة أداة تقهر التحديات

A man in a suit sits in a wheelchair, smiling in front of a backdrop for a foundation.

خالد خشفة خلال حضوره فعاليات قمة المعرفة 2024 في دبي

شكل تاريخ مارس 2024 نقطة تحول فارقة وخيطاً من الأمل في حياة خالد محمد خشفة،  51عاماً من شمال لبنان، ومن ذوي الإعاقة، بعد أن علم عن مبادرة "مهارات المستقبل للجميع" التي أخرجته من حالة نفسية صعبة كان يمر بها نتيجة لتقاعده عن العمل، وما يمر به من تحديات صحية، حيث قال: انضممت لبرنامج "المهارات الشخصية"، وكانت التجربة مختلفة غيرت حياتي كلياً حيث اكتسبت مهارات متعددة في مجالات حل المشكلات والتفكير النقدي والإبداعي والتواصل والتفكير خارج الصندوق، الأهم من ذلك أنها أخرجتني من ما تعرضت له من عزلة فكرية بعد الحادث الذي تعرضت له وأفقدني القدرة على المشي قبل سنوات بعيدة، مما جعلني غير مرحب به في أوساط العمل، وعرضني على المستوى الاجتماعي للتنمر والشفقة المؤذية والمضايقات. 

وبنبرة مليئة بالأمل والإصرار على تغيير واقعه، أوضح خشفة أن التعلم ليس له عمر معين، فنحن طلاب في مدرسة الحياة، وقال: "نحن أقوى بالعلم، وعلينا أن نقهر التحديات لا أن تقهرنا"، مشيراً إلى طموحه في أن يوظف هذه المهارات التي اكتسبها للحصول على فرصة عمل جديدة تعزز من مسيرته المهنية. 

تجويد استشارات العملاء 

A group of people smiling and holding certificates in a classroom setting.

وظف عادل الهديلي المهارات التي اكتسبها من المبادرة لتجويد خدمات التدريب التي يقدمها للعملاء

وظّف عادل الهذيلي، 43 عاماً، من مدينة زغوان التونسية ويعمل كمستشار مستقل ومدرب في التحول الرقمي والابتكار، ما تعلمه من برنامج "احتراف ريادة الأعمال" لتطوير وتغذية محتوى برامجه التدريبية ومحاضراته الجامعية بأحدث المعارف والممارسات العالمية، وترسيخ مفهوم الابتكار الرقمي لدى عملائه وطلابه فيما يتعلق بخططهم الرقمية أو التسويقية، والذي أدى إلى حصوله على عملاء جدد وتحسين العائد المادي من البرامج التدريبية. 

البقاء في نفس المكان يعتبر تراجعًا، كما يرى الهذيلي، الذي ينصح المواطنين العرب بالتركيز على تعلم المهارات الرقمية كأفضل استثمار في أنفسهم حيث ستكون دفة القيادة بيد من يتعلم ويواكب التطورات التكنولوجية.