سلطان هاجييف، مدير مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا
لاتزال هناك، على أحد الجدران الممتدة على طول الطريق من مطار معيتيقة الدولي إلى وسط مدينة طرابلس. لوحة جدارية ضخمة تحمل الكلمات: "أخيرًا، صرنا أحرار". لست متأكداً من الذي رسمها هناك، لكنني متأكد من التاريخ الذي ظهرت فيه - في وقت ما في صيف عام 2011 عقب الصراع الذي عاشته طرابلس، والذي مثل نقطة بداية للطريق الصعب نحو الحرية، والذي لا يزال طويلا، حيث بدأ بتدهور سريع للوضع الاقتصادي والسياسي مع وقوع البلاد في أيادي أطراف متنافسة.
لا أود الاستفاضة في سرد الصفحات المأساوية للتاريخ الحديث للبلاد - الليبيون وأولئك الذين يتابعون التطورات التي تعيشها ليبيا على دراية كاملة بما يحمله كل سطر أو ربما كل حرف من تلك الصفحات من ألم. فلقد كتبت بالدم والدموع.
كلمة "أزمة" في اللغة الصينية تتكون من مقطعين الأول يحمل معني "التحدي" والثاني يعني "الفرصة". ومن واقع تجربتي المهنية في مناطق نزاع متعددة مثل أفغانستان والعراق والصومال، أؤمن بأن مهمة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سياق الأزمات الممتدة تلخصها هذه الكلمة الصينية. فنحن نعمل على مساعدة الدول على إدارة التحديات والاستفادة من الفرص.
وهذا تحديدا هو ما نقوم به حاليا في ليبيا، فحجم التحديات التي تواجهها البلاد يتطلب مشاركة فاعلة واستباقية من قبل البرنامج الإنمائي. ويتيح القرار الذي اتخذه الأمين العام للأمم المتحدة مؤخراً برفع حظر السفر إلى ليبيا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وغيره من هيئات الأمم المتحدة الأخرى العودة إلى ليبيا وتعزيز دعمنا لشركاء في البلاد. كان حظر السفر قد تم إقراره بعد التدهور الكبير الذي شهده الوضع الأمني في ليبيا سنة 2014.
ولكن دعوني أكون أكثر دقة، فقد لا تكون كلمة العودة هي التعبير الأدق، لأننا بالفعل لم نغادر ليبيا بشكل كلي قط.
لقد قلصنا تواجدنا الميداني على الأرض، وأدرنا أعمالنا بشكل كبير من تونس، وواصلنا سعينا إلى مساعدة ليبيا على تحقيق التنمية المستدامة والسلام الذي يحتاجه مواطنيها، برغم كل الظروف والصعوبات.
واليوم نقوم بتعزيز تواجدنا في ليبيا. وهو إنجاز نفتخر به في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إذ كنا أحد هيئات الأمم المتحدة الرائدة التي قادت عودة منظومة الأمم المتحدة إلى ليبيا. ولقد قمنا بذلك بكل العزم وبطموح لأن نعزز توجدنا على الأرض خارج طرابلس قريبا.
لدينا قناعة كاملة بأن تواجدنا على الأرض هو أقوي برهان على دورنا كشريك مختار للتنمية، إذ يمكننا من الإحساس المباشر باحتياجات شركائنا والمستفيدين من المشاريع التي ننفذها. لهذا يجب أن يكون مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا متواجدا داخل الأراضي الليبية.
وإذ تملؤنا السعادة بتعزيز توجدنا داخل ليبيا من جديد، لا يمكننا أت نغفل التحديات العديدة التي تنتظرنا هناك. فرغم الهدوء النسبي الذي تشهده البلاد منذ بضعة أشهر لا يزال الوضع الأمني معقدا، كما يبين ذلك الهجوم المسلح الذي استهدف مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات مؤخرا، والذي يعد مؤشرا على أن البلاد لاتزال تواجه مخاطر كبيرة.
كما لا تزال ثمار المصالحة الوطنية التي تم تحقيقها بعد لأي على قدر من الهشاشة نسبياً وتحتاج إلى تضافر جهود جميع الأطراف المشاركة في هذا المسار. وتعد ليبيا كذلك منطقة عبور ووجهة رئيسية للمهاجرين الذين غالبا ما يتحولون إلى أهدافا سهلة للاتجار بالبشر وانتهاكات حقوق الإنسان. وهو تحدٍ جديد على قائمة طويلة من التحديات المعقدة التي تواجهها ليبيا.
ورغم التحديات الإدارية واللوجستية المتعددة والمتمثلة أساسا في الارتفاع الهائل لتكاليف العمل من طرابلس مقارنة بنظيرتها في تونس فإننا مصممون على التعامل مع هذا الأمر بشكل ايجابي. ونحن متأكدون من أنه ﯾﻣﮐﻧﻧﺎ اﻻﻋﺗﻣﺎد ﻋﻟﯽ دﻋم وﻣﺳﺎﻋدة ﺷرﮐﺎﺋﻧﺎ في الهيئات اﻟﺣﮐوﻣﯾة، وﻣﻧظﻣﺎت اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻣدﻧﻲ، واﻟﻣﻧظﻣﺎت ﻏﯾر اﻟﺣﮐوﻣﯾﺔ، واﻟﻣﺎﻧﺣﯾن، أمامنا الكثير مما يتعين علينا القيام به، كما أن هنالك الكثير من الاحتياجات، بما في ذلك العديد من الاحتياجات العاجلة.
نحن نريد أن نساعد ليبيا على الانتقال إلى التنمية المستدامة من خلال مساعدة الحكومة على إعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية وتعزيز فرص كسب العيش لمن هم في حاجة ماسة لذلك.
ونريد أن نساعد المواطنين على المشاركة بفعالية في مسار الانتقال الديمقراطي الذي تعيشه ليبيا، نحو ترسيخ دولة سيادة القانون. ويجب أن يشمل هذا المسار احتراما لحقوق النساء والشباب، وتوسيعا للمساحة المتاحة لهم للمشاركة فعّالة.
ونريد أن نساعد الحكومة المركزية والمحلية على تحسين عمليات تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين والاستجابة لاحتياجاتهم.
ونريد كذلك دعم عمليات المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية الشاملة.
وكل من هذه الأهداف يتطلب جهدا كبيرا، كما أن بعضها قد يحتاج إلى سنوات لتحقيقه. لكن مهما كانت الرحلة طويلة ومعقدة فنحن ملتزمون بمواصلة السعي نحو تحقيقها، ويمكننا الآن القيام بذلك على الأراضي الليبية.
نحن نتطلع إلى مساعدة الليبيين على بلوغ يوم يمكن فيه استكمال عبارة " أخيرًا، صرنا أحرار " بعبارة " ونستمتع اليوم بثمار حريتنا"
هذا ما يريده أصدقاء ليبيا الحقيقيون - وهذا هو ما يدين به الليبيون لأنفسهم ولأجيالهم القادمة في المقام الأول، وكذلك لأصدقائهم. كما أنه البرهان الأهم على أن تضحياتهم لم تذهب أدراج الرياح.
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا يتمنى لكم رمضانا كريما