فاطمة وأبناؤها: قصة صبر ومثابرة نحو بداية جديدة

قصة صمود عائلة تمتهن الزراعة بعد انتهاء الصراع مع داعش

25 يونيو 2024

إعادة الحياة إلى الأرض، فاطمة تزرع بذوراً لمستقبل أكثر اشراقاً للارض، والأمل في عينيها.

أرض تُورث من جيل إلى جيل.

إن ارتباط العراقيين بأرضهم ارتباط عميق، وهو موجود ويسري في دمهم منذ الازل. بالنسبة الى العديد من الأسر الريفية في البلاد، نستطيع ان نرى مدى العلاقة العميقة بين المزارعين والأرض التي يزرعونها. أبطال قصتنا اليوم ينحدرون من عائلة تعمل في الزراعة، حيث انتقلت الزراعة عبر الأجيال. وينشأ الأطفال جنباً إلى جنب مع آبائهم وأجدادهم، الذين كانوا أوصياء على الأرض، وتعلموا التقنيات التقليدية لتحسين جودة التربة، وحصاد المحاصيل، والحفاظ على البيئة.

فاطمة، وهي مزارعة قوية الإرادة، تعيش في قرية ريفية صغيرة في محافظة ديالى مع زوجها وولديها. في ديالى، عاشت العائلة حياة بسيطة وهادئة، حيث كانت أيامهم مليئة بالعمل في أراضيهم، وتربية الحيوانات، والاستمتاع بجمال الحياة الزراعية في السهول الريفية في العراق.


عاصفةٌ مظلمة تهدد احلامهم.

وقد أدى وصول تنظيم داعش إلى تحطيم حياتهم. حيث أظلمت السماء فجأة بعاصفة سوداء، كان تنظيم داعش هو تلك العاصفة المظلمة التي دمرت كل شيء في طريقهم، لم تأخذ هذه العاصفة أي أسرى، بل قتلت أولئك الذين قاوموا وقاتلوا من أجل حياتهم وأرضهم، وخلقت أيتاماً ودمرت أسراً كثيره. لم يتمكن زوج فاطمة من الصمود في وجه هذه العاصفة، حيث استشهد في مذبحة داعش، مما جعل فاطمة أرملة شابة لديها أطفال صغار تسعى لتربيتهم بمفردها.

سيطر الحزن والخسارة الكبيرة على حياة فاطمة، لكنها رفضت الاستسلام، ورددت كلمات زوجها مرة اخرى، لتعطيها القوة، "الأرض هي أمنا، وهي مصدر رزقنا، وعلينا أن نحميها ونحافظ عليها" .

نهضت فاطمة من جديد وجففت دموع أبناءها، وبدأوا كلهم مع بعضهم البعض بإعادة زراعة أرضهم في ديالى.

"زوجي في هذه الأرض. دمه وعرقه ودموعه جزءً منها. وقالت فاطمة: "إن حرث تربة هذه الأرض الخصبة كان طريقتنا لتكريمه والبقاء معه".

وكانت أراضيهم دائماً خصبة، وتنتج وفرة من المحاصيل، وتدعم مجتمعاتهم لعدة قرون، وتساهم في معيشة هذه المجتمعات.


تحديات كبيرة وأمل متزايد. 

واجهت فاطمة وأبناؤها الكثير من التحديات. ونظرات الشفقة من بعض جيرانهم ومحاولات استغلالهم من قبل الآخرين. ومع ذلك، فقد واجهوا كل الشدائد بشجاعة وتصميم. واجهت فاطمة نقصاً في الأدوات والآلات الزراعية، وارتفاع الأسعار، وصعوبة الحصول على القروض، والتغير المناخي، والجفاف. ولكن بفضل مثابرتهم وتصميمهم، تمكنوا من التغلب على هذه التحديات.


منحةٌ تُعيد الحياة إلى الأرض.

ومن خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، وعبر مشاريع سبل العيش، حصلت فاطمة وأبناؤها على منحة مالية سمحت لهم باستئناف العمل في أرضهم. وعاد العمل في الأرض، وعادت الارض تنتج مرة أخرى، حيث اصبحت تنتج العلف الحيواني والذي اصبحت تبيعه هي وأبناؤها إلى المزارع المجاورة لإطعام الماشية، حيث تبلغ تكلفة الحزمة (الكومة) 2000 دينار عراقي. اصبحت ارضهم تنتج براعم البرسيم، وبما أن زراعة هذا المحصول تمتد على مدار العام فإنه يدر دخلاً جيداً لهم، وبدأت الحياة في المزرعة تتحسن يوماً بعد يوم. واصبح أبناء فاطمة رجالاً، وهي تعتمد عليهم بشكل كبير في كل نواحي الحياة حيث يعملون معاً كعائلة على زراعة أرضهم وإعادة بناء أحلامهم.


"تشرح لنا فاطمة: "أنا وأبنائي نكمل بعضنا البعض، كل واحد منا لديه مهامه الخاصة على هذه الأرض. لقد كنا مزارعين لأجيال، وهذا هو الإرث الذي نقلناه إليهم أنا وزوجي، وهو الإرث الذي ينقلونه الآن إلى أطفالهم ".

يساهم أبناء فاطمة في الزراعة والحصاد وحتى تسويق منتجهم مع عائلاتهم. لقد تمكنوا أيضاً من البدء في زراعة بعض المحاصيل من خلال البيوت الزراعة.
 

أجيال تنمو معاً،حيث اصبحت فاطمة الملهمه وعمود القوة لحفيدها أثناء زراعة الأرض.


أملٌ ينبت من بين الرماد.

اليوم، أصبحت فاطمة وعائلتها رمزاً للأمل. قصة مزارعة قوية وأبناؤها، الذين ورغم كل الصعاب، انتصروا على كل التحديات التي واجهوها لأنهم لم يفقدوا الأمل أبداً. إنهم مصدر إلهام للجميع، وتعلمنا قصتهم كيف يمكن للإرادة القوية والتصميم أن يتغلبا على الظلم وأن الحياة يمكن أن تبدأ من جديد.
 


حول المشروع:

لسنوات عديدة، اعتمد المزارعون مثل عائلة فاطمة على أساليب الزراعة والري التقليدية. وعادة ما يأخذ المزارعون المياه عن طريق المضخات لري مزارعهم، وهي عملية صعبة وتستهلك كميات كبيرة من المياه، وأصبحت أكثر صعوبة وتكلفة مع انخفاض مستويات المياه في جميع أنحاء العراق.

لذلك، يدعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، وعبر مشاريع سبل العيش، أساليب الري الحديثة، ويقدم دورات تدريبية ومنح مالية لتمكينهم من تبني ممارسات زراعية مستدامة وحديثة لدعم المزارعين في العراق وتشجيعهم على التكيف مع تغير المناخ. ويتعلم المزارعون كيفية تنويع المحاصيل، ودورة المحاصيل، وطرق الحصول على افضل نوعية للتربة، والحفاظ على المياه، والتقنيات المقاومة للجفاف، وإدارة الأعمال، مما يعزز إنتاجية المزارع ويؤمن سبل عيشهم لسنوات قادمة. حتى اليوم، تم تقديم أكثر من 1,667 منحة نقدية للأسر التي ترأسها نساء لتلبية الاحتياجات الفورية.

تم تنفذ المشروع من قبل برنامج الامم المتحدة الانمائي بالشراكة مع الجمعية الالمانية لمكافحه الجوع في العالم، وبتمويل من قبل الحكومة اليابانية.