
جنى تعرض بفخر منتجاتها ودليلًا حول طريقة انتاجها.
لعدة سنوات، يواجه الاقتصاد اليمني تدهوراً مستمراً، حيث أدى الركود الاقتصادي وتفاقم البطالة إلى جعل الحياة أكثر صعوبة، خاصةً للنساء اللواتي يواجهن تحديات كبيرة في تحقيق الأمن المالي. ومع محدودية الوصول إلى رأس المال والتدريب وفرص العمل، الكثير منهن يجدن أنفسهن أمام خيارات محدودة.
ومع ذلك، ورغم هذه التحديات، لا تقتصر النساء اليمنيات على مجرد البقاء، بل يلعبن دوراً رائداً في دفع عجلة التعافي الاقتصادي من الأساس. في مختلف أنحاء البلاد، تثبت رائدات الأعمال أن المشاريع المحلية ليست مجرد مصدر دخل، بل شريان حياة للأسر والمجتمعات.
من خلال مشروع تعزيز الحماية الاجتماعية في حالات الطوارئ ومواجهة فيروس كورونا في اليمن، الممول والمدعوم من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي، والذي ينفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر، تحصل رائدات الأعمال على التدريب والتوجيه والدعم المالي، مما يمكنهن من تحويل أفكارهن إلى مشاريع مستدامة تساهم في تحسين سبل العيش.
في اليوم العالمي للمرأة، تحت شعار "من أجل جميع النساء والفتيات: الحقوق. والمساواة. والتمكين"، نحتفل بصمود النساء اليمنيات – النساء اللواتي لا يخلقن فرص عمل وسبل عيش مستدامة فحسب، بل أيضاً تساهم في دعم مجتمعاتهن.
من مجرد أفكار إلى مشاريع مزدهرة
بالنسبة للعديد من النساء، ريادة الأعمال ليست مجرد طموح، بل ضرورة. ولكن امتلاك فكرة هو مجرد الخطوة الأولى. فمن دون الوعي المالي، ومهارات إدارة الأعمال، أو الوصول إلى السوق، حتى أكثر الأعمال الواعدة تجد صعوبة في الانطلاق.
يركز مشروع تعزيز الحماية الاجتماعية في حالات الطوارئ ومواجهة فيروس كورونا على الاستثمار في رأس المال البشري، أي تجهيز النساء بالتدريب، والإرشاد، والدعم الاستراتيجي الذي يحتجنه للنجاح. بالنسبة للبعض، كان هذا الدعم يعني تعلم كيفية تنظيم عملياتهن التجارية؛ بالنسبة للآخرين، كان المفتاح لتحويل الشغف إلى مصدر رزق قابل للاستدامة.

بعض من رواد الأعمال اثناء تلقيهم تدريبًا حول كيفية بدء وتنمية أعمالهم.
تعتبر جنى مثالاً على ذلك، فقد بدأت في صناعة منتجات الألبان في مطبخ منزلها. على الرغم من أنها كانت تنتج الزبادي، والجبن، والسمن عالي الجودة والخالي من المواد الحافظة، إلا أنها كانت تفتقر إلى الهيكل التجاري لتوسيع نطاق عملها والوصول إلى مزيد من العملاء.
تقول: "قبل التدريب، لم أكن قد قمت بدراسة جدوى صحيحة أو وثقت مصاريفي. الآن، أصبحت أعرف كيفية التخطيط للنمو على المدى الطويل."
من خلال الإرشاد المتخصص، تعلمت جنى كيفية تبسيط الإنتاج، ,وتحسين سجلاتها المالية، وتوسيع نقاط بيعها. اليوم، يزدهر عملها، وتطمح لتحويله إلى مشروع غذائي كامل يوفر فرص عمل لنساء أخريات.
بالنسبة لرقية، التي حولت حبها لصناعة العطور إلى علامتها التجارية "دُره للبخور وعطور بلو ليلي"، فقد منحها التدريب الأدوات اللازمة لتحسين تركيباتها، وضمان الحصول على موردين موثوقين، والحفاظ على التناسق في منتجاتها.

رقية تحضر دفعة جديدة من العطور في ورشتها.
وتقول: "في البداية، كنت فقط أجرب. الآن، لدي عمليات للتحكم بالجودة، وأصبح من الممكن التوسع في الأسواق الدولية."
أما بالنسبة لمها ، التي أطلقت مركزاً للعناية بالبشرة وصحتها، فقد ساعدها الإرشاد في التغلب على تحديات سلسلة الإمداد وتقديم ممارسات تجارية مستدامة.
وتوضح: "عندما تنجح امرأة، فإنها ترفع مستوى أسرة كاملة. الاستقرار الحقيقي يعتمد على المعرفة والموارد المحلية."
تعزيز السوق المحلية
نظراً لأن الواردات مكلفة وغير مضمون وصولها، فإن البدائل المحلية ضرورية لتعافي الاقتصاد اليمني. يقوم رواد الأعمال بدور مهم من خلال إنشاء منتجات عالية الجودة وبأسعار معقولة، مما يقوي سلاسل الإمداد ويولد فرص عمل.
على سبيل المثال، لاحظت مها أن سلاسل الإمداد الهشة في اليمن تجعل من الصعب على النساء الحصول على منتجات العناية بالبشرة وصحتها الموثوقة. بدلاً من الاعتماد على الواردات المكلفة، قامت بتطوير حلول للعناية بالبشرة مستخلصة من المصادر المحلية وفعّالة، ومصممة خصيصاً للمستهلكين اليمنيين.

مها تحضر معدات العناية بالبشرة في مركزها.
بالمثل، تحصل جنى على الحليب من مزارع الألبان القريبة لضمان أن تبقى منتجاتها طبيعية بنسبة 100% مع دعم المزارعين المحليين.
نجاح رقية مرتبط بالمزارعين في لحج وتعز ويافع، حيث تحصل على النباتات العطرية عالية الجودة لعطورها. من خلال بناء شراكات مباشرة مع الموردين، لا تضمن فقط الحفاظ على استمرارية وجودة منتجاتها، بل أيضاً تعزز أسواق الزراعة المحلية.
حتى منى ، التي ابتكرت معجون أسنان خالي من المواد الكيميائية باستخدام العلاجات التقليدية اليمنية من القرنفل، ترى في مشروعها جسراً بين التراث والتجارة الحديثة.
وتوضح قائلة: "يثق الناس في المنتجات المحلية عندما يرون جزءاً من تراثهم ينعكس فيها."
مع توسع هذه النساء في أعمالهن، تتسع الفائدة لتشمل المجتمع المحلي بشكل أوسع. حيث يخلقن فرص عمل، ويساهمن في استقرار الأسعار، ويوفرن لأسرهن ومنطقتهن منتجات محلية بديلة وبأسعار معقولة.
دعم نمو المجتمع
الشركات التي تديرها النساء لا تقتصر على تحقيق الاستقرار المالي فقط، بل تساهم أيضأ في دفع التحول الاقتصادي والاجتماعي.
تشير منى قائلة: "نحن لا نبني فقط أعمالاً، بل نبني الثقة والأمل للجيل القادم من النساء اليمنيات."

منى تستخدم مواد غير كيميائية لإنتاج معجون الأسنان.
بالنسبة لجنى، التوسع يعني توظيف نساء أخريات للمساعدة في معالجة وتعبئة منتجاتها من الألبان. بالنسبة لرقية، يعني ذلك خلق فرص عمل في ورشتها للعطور. أما بالنسبة لمها، فيعني تقديم فرص عمل لاختصاصيات العناية بالبشرة والموظفين الإداريين في مركزها الصحي المتنامي.
وتوضح مها: "ريادة الأعمال هي أكثر من مجرد دخل. إنها عن الكرامة، والهدف، وإظهار للجتمع ما يمكن أن تحققه النساء اليمنيات."
مع وجود 60% من سكان اليمن تحت سن 25، فإن تمكين الشابات لا يخلق الاستقرار المالي فحسب، بل يوفر أيضاً نموذجاً للأجيال القادمة. هذه القصص الناجحة تُظهر أن ريادة الأعمال ليست ممكنة فحسب، بل هي محورية للتحول.
الاستثمار في في مستقبل اليمن
في وقت لا يزال فيه اليمن يواجه تحديات اقتصادية مثل عدم الاستقرار الاقتصادي، وتقطع سلاسل الإمداد، والتضخم، يظل الاستثمار في ريادة الأعمال أحد أكثر الطرق فعالية لدفع التقدم على المدى الطويل.
من خلال مشروع تعزيز الحماية الاجتماعية في حالات الطوارئ ومواجهة فيروس كورونا في اليمن ، تثبت النساء اليمنيات أن الدعم الصحيح يمكن أن يغير حياتهن وحياة مجتمعاتهن.
لضمان مستقبل تعافي الاقتصاد اليمني، ندعو البنك الدولي، والجهات المانحة الدولية، ومنظمات التنمية إلى دعم وتوسيع برامج مثل برنامج تعزيز الحماية الاجتماعية الطارئة والاستجابة لكوفيد-19، هذه المبادرات تزود النساء بالمهارات، والمعرفة، والموارد اللازمة لبناء أعمال مستدامة.
بمواصلة دعم المرأة اليمنية، تزدهر أعمالها، يبرز دورها، وتساهم في بناء اقتصاد أقوى وأكثر شمولاً.
***
يدعم مشروع تعزيز الحماية الاجتماعية في حالات الطوارئ ومواجهة فيروس كورونا في اليمن حزم من التدخلات الجغرافية، والتي تشمل التحويلات النقدية المراعية للتغذية وبرامج العمالة المؤقتة، بينما يحسن الوصول إلى سبل العيش المستدامة والخدمات الأساسية والفرص الاقتصادية للمناطق المتأثرة بالجوع وسوء التغذية والآثار السلبية المتعلقة بتغير المناخ. يتماشى هذا المشروع مع نهج البنك الدولي لتحسين الأمن الغذائي لليمنيين.
بتمويل ودعم من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي، يتم تنفيذ مشروع تعزيز الحماية الاجتماعية في حالات الطوارئ ومواجهة فيروس كورونا في اليمن بقيمة 232.9 مليون دولار أمريكي من قبل الصندوق الاجتماعي للتنمية، ومشروع الأشغال العامة، ووكالة تنمية المُنشــآت الصغيرة والأصغر بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن.